المشترك في دولة الأبرتهايد بين منصور عباس وعيساوي فريج… يجب فهم تدوينة الشيخ إبراهيم في سياقها الصحيح

لا يختلف عضو الكنيست الإسرائيلي منصور عباس (الإسلامية الجنوبية) عن زميله عضو الكنيست الإسرائيلي عيساوي فريج (ميرتس) فيما يتعلق بموقف كل منهما من قرار منظمة “أمنستي” اعتبار دولة الاحتلال دولة تفرقة عنصرية (أبرتهايد).
فقد نفى كلاهما أن تكون الدولة، التي تحتضنهما احتضان الدب، دولة كهذه. بل إن الرجلين استخدما تقريبا ذات التبريرات (التخريجات) المائعة المائصة. فقد قال فريج: “إسرائيل فيها مشاكل يجب حلّها داخل الخط الأخضر، ناهيك عن الأراضي المحتلة (يقصد الأرض الفلسطينية المحتلة عام 67)، لكنها ليست دولة أبرتهايد”. وبنفس الروح قال عباس: “ما كنت لأسمي هذا أبرتهايد. أنا أفضّل توصيف الواقع الإسرائيلي بصورة موضوعية. إذا كان هناك تمييز في قضية معينة عندها سأقول إن هناك تمييزا في تلك القضية”!!
وهكذا نكتشف أن قضيتنا، ونحن ذلك الجزء الأصيل من الشعب الفلسطيني، ولنا مكان ودور في أصغر تفاصيل الصراع على فلسطين، باتت محصورة في مشكلة قد تطرأ هنا وهناك، وأننا لا نعاني من عنصرية ممنهجة عقائدية محفورة في راية المشروع الصهيوني وفي العقلية التوراتية الاستعلائية، وإنما قد نعاني من بعض التمييز الطارئ في قضية هنا وهناك، وأن المطلوب من “الشُّطار” أن يسعَوْا إلى حلّها!
إذا كانت الأمم المتحدة، التي من مهماتها المبدئية غير المعلنة استخدام السلاح الناعم لضرب كل قضية تتعلق بالعرب والمسلمين وخاصة الفلسطينيين، كانت قد اعتبرت الصهيونية شكلًا من أشكال العنصرية وأنها (مثل النظام العنصري في جنوب أفريقيا يومها) حركة إمبريالية هدفها سحق كرامة الإنسان في فلسطين المحتلة (راجع القرار 3379 من سنة 1975/ الذي ألغي فقط بمبادرة أمريكية عام 1991)، فما الذي يجعل منصور عباس ومعه عيساوي فريج يدافعان عن المؤسسة الإسرائيلية ورفض اعتبارها دولة تفرقة عنصرية؟
حسنًا!! عيساوي فريج عضو في حزب صهيوني، وهو من دعاة الاستسلام المذل للواقع الذي فرضته عنصرية المشروع الصهيوني، ومن دعاة الاندماج التام والغرق في أتون المجتمع الإسرائيلي حتى الأذنين، فما الذي يدفع منصور عباس إلى مثل هذا الموقف؟
هل هي فقط الالتزامات الائتلافية التي لا يمكنه نقضها وهو يتوهم أنه بذلك سيحقق ما تلقاه من وعود لم نر منها حتى اليوم (ولن نرى) سوى فقاعات الهواء؟ أم أنها ذات القناعات التي أوصلت ذلك الشق من الحركة الإسلامية إلى ما وصلت إليه؟ أم أن هناك تفاهمات من وراء الكواليس لها علاقة بكل ما يجري في المنطقة كلها؟
إنك إذا أضفت إلى هذا الموقف ما سبقه من تصريحات أطلقها منصور عباس من أول “غزواته التي كسر فيها عصاتُه”، بدءًا من كون مثله الأعلى هو الراب التوراتي ملكيئور، مرورًا بوصف أسرى شعبنا بالمخربين، وتسمية حائط البراق بالتسمية الصهيونية؛ حائط المبكى، والمسجد الأقصى بجبل الهيكل، ثم كون المؤسسة الإسرائيلية دولة يهودية، هكذا ولدت وهكذا ستبقى، ثم امتناعه عن الحضور لتهنئة الشيخ رائد صلاح بخروجه من السجن، وتعبيره عن ندمه لأنه لم يدعم في حينه تطبيع أنظمة العمالة الخليجية مع دولة الاحتلال، ستكتشف أن المسألة ليست مقتصرة على “انضباط” ائتلافي ولا على “مجرد ثمن يدفعه” لتحصيل ما وُعد به (كما وُعد به من سبقوه!!) وإنما هي قناعات أشربت في قلبه. السلوك يؤكد هذا والمواقف تؤكده ودعم تنظيمه وصمته على تصريحاته ومواقفه وأفعاله يؤكد ذلك أكثر وأكثر. إنه نهج تبنته الإسلامية الجنوبية منذ 1996، وهو نهج تطور أكثر انحدارا مع مرور الوقت، حتى وصل إلى هذه المرحلة التي يدافع فيها أصحابه عن المؤسسة الإسرائيلية وكأنها “من تالي أهلهم” وبينهم وبينها نسب وصهر وميثاق دم لا تنفصم!! هذا في الوقت الذي تجد أغلب دول العالم وشعوبها تعتبر المشروع الصهيوني والمؤسسة الإسرائيلية مشروع فصل عنصريا قبيحا يمارس أفظع السياسات تجاه أهل الداخل وتجاه الأهل في الفضة الغربية وقطاع غزة. أم أنهم لا يعتبرون حصار غزة منذ 15 سنة فصلا عنصريًا؟ أم أن الاستيطان وقاذورات المستوطنين وجرائمهم ليست ذات منطلقات عنصرية أبرتهايدية وسخة؟!!
وإلا فما هذا الصمت الذي يلف قيادة الإسلامية الجنوبية إزاء مواقف عباس وتصريحاته؟!
لماذا منذ أن خرّت القائمة الموحدة مضرجة بدمائها في حضن المشروع الصهيوني من خلال المشاركة في الائتلاف الحكومي لم يصدر عن الجنوبية بيان واحد يرفض أو يوضح أو حتى يلوم أو يعتب على منصور عباس موقفا أو تصريحًا؟ لماذا كانت كل البيانات تدافع عنه بحرارة واستقتال، وتبرر كل سلوك أو تصريح أو موقف، دون أن تنسى مهاجمة المنتقدين؟
السبب واضح! منصور عباس إنما يعبر عن نهج التنظيم.
عليه فإن ما كتبه عضو الكنيست السابق الشيخ إبراهيم عبدالله والذي قال فيه إن الحركة الإسلامية ترفض تصريحات عباس الأخيرة حول التطبيع وحول الأبرتهايد ويهودية الدولة، وتعتبرها خروجا على ثوابت الحركة وقناعاتها الدينية والوطنية، يجب ألا نتلقفه على أنه فعلا موقف الحركة الجنوبية. فهذا موقف شخصي للشيخ إبراهيم وليس موقف التنظيم. ويبدو أن هناك من الذين غرر بهم في التنظيم قد بدأوا يتململون، فجاءت هذه التدوينة لإسكاتهم أو إرضائهم. وإلا فلماذا يستشهد في تدوينته بقوله تعالى: {معذرة إلى ربكم…}؟ هذا استشهاد يستخدمه عادة من لا يملك القرار فيلجأ إلى تبرئة نفسه. فالتنظيم الذي يملك القرار يتخذ قرارات تأديبية ولا يلجأ إلى “معذرة إلى ربكم”!! ولو كان الموقف الذي عبر عنه الشيخ إبراهيم هو موقف التنظيم فلماذا لم يُصدر التنظيم بيانًا بهذه الروح؟
يجب فهم الأمور في سياقها.
ثم إن الحديث عن الثوابت، كما ورد في تدوينة الشيخ إبراهيم يطرح مجموعة من القنابل:
- ألم يكن الذهاب إلى الكنيست نسفًا لكل الثوابت الدينية والوطنية؟ أم أن المشاركة في الكنيست تعتبر عملا وطنيا ودينيا؟
- ألم تكن المشاركة في الائتلاف الحكومي الصهيوني تجاوزا لكل خط أحمر؟ أم أنها تندرج تحت الثوابت الدينية والنضال الوطني؟
- ألم تكن تسمية الأسرى بالمخربين خروجا على الثوابت؟
- أليست تسمية حائط البراق باسم حائط المبكى والمسجد الأقصى باسم جبل الهيكل خروجا على الثوابت الدينية؟ أم تعتبرون هذا ضمن الحنكة السياسية والحكمة والفطنة؟
يا أيها الذين فقدوا البوصلة: عودوا إلى رشدكم وإلى أصولكم وأصالتكم وثوابتكم ومواقعكم بين شعبكم، وانفُضوا عنكم تبِعات هذا النهج، وتنكروا له واستنكروه والفظوه من أجندتكم، أحرقوه وذرُّوا رماده في الريح حتى لا يبقى منه أثر، فإننا لكم من الناصحين، وإلا فإن التاريخ لن يرحم من تنازل عن الثوابت وقايض النفيس بالرخيص، وعوّج التلم وحرف البوصلة، ثم راح يبحث لهذا كله عن تبريرات وتخريجات فقهية وسياسية وفكرية.