ماذا وراء فرط الانشغال بمحور صلاح الدين/فيلادلفي

تشير معظم التقديرات الامنية الى ان احتلال الجانب الفلسطيني من محور صلاح الدين (فيلادلفي) هو ليس بالمسألة الاستراتيجية بالنسبة لإسرائيل، وكذلك الامر بالنسبة الى السيطرة على معبر رفح. ومن اللافت ان المواقف الاسرائيلية متضاربة في شأن مصير هذا التواجد، فهناك تقديرات وازنة تؤكد أن المطلب الاسرائيلي هو البقاء في المحور حتى نهاية العام الجاري والى حينه يتم تقليص تدريجي لقوات الاحتلال، مقابل طرح اسرائيلي آخر يقول بالانسحاب التام من 3 كم من المحور من أصل 14 كم. كما ويتم الحديث عن امكانية تواجد بعثات عسكرية دولية على معبر رفح الحدودي المصري الفلسطيني. وإذ يبدو نتنياهو متشددا بشكل قطعي في مسألة محور فيلادلفيا فيما تتسع حلقة المشككين بمحورية التواجد العسكري على المحور بالنسبة لإسرائيل.
في مقابلة مع القناة 12 (24/8) يقول طال روسو وهو أحد أبرز الجنرالات المتقاعدين، بأن "الأهم من السيطرة العسكرية على محور فيلادلفي هو أن نكون (اسرائيل) منسقين مع الجانب المصري متوافقين معه"، كما وتؤكد جهات امنية اسرائيلية الى ان مصر عالجت مسألة الأنفاق تحت المحور منذ أكثر من عقد من الزمن وأنه لا توجد أنفاق تمر من الجانب المصري. كما يرى ان التوتر مع مصر يعرض اتفاقات كامب ديفيد للخطر ويجعل "الاحتياجات الامنية" الاسرائيلية بعيدة المنال.
ما يذكره روسو يلتقي مع التقديرات بأن السيطرة الاسرائيلية على المحور هي سيطرة تكتيكية فقط ولا تصبو إلى أن تكون مسألة استراتيجية كما يدعي نتنياهو، وبخلاف موقف المؤسسة الامنية من الجيش والشاباك، والتي يعمل نتنياهو بمنهجية على نزع شرعية قياداتها، سعيا لاستبدالها بموالين له، كما حدث للشرطة وفقا لطال روسو من تفكيك وتحويلها الى موالية للوزير (بن غفير) سياسيا قد يحدث في الجيش بعد تغيير هويته وطابع قيادته. بل ان استمرار الحرب على غزة دونما مخرج سياسي يدفع نحو تفكك المنظومات، مشيرا ايضا الى ميليشيات الصهيونية الدينية الاستيطانية في الضفة الغربية وفي اقتحامات الأقصى بقيادة وزراء، والتي من شأنها ان تؤدي تفكيك دور الجيش النظامي وإلى "اشعال الشرق الأوسط برمته"، كل ذلك في ظل شد الانظار الى الحرب على غزة.
الورطة التفاوضية الاسرائيلية حاليا وحصريا بعد احتلال رفح والجانب الفلسطيني من المعبر ومن محور فيلادلفي هو أن المسألة باتت مصرية اسرائيلية إذ تصر مصر على اعتبار الموقعين شأن مصري فلسطيني فقط، وتلوح باستخدام نفوذها لتفعيل المعبر على هذا الأساس، كما أن إسرائيل تجد نفسها في ورطة استراتيجية في حال كان ثمن تواجدها في المحور على حساب اتفاقات كامب ديفيد ذات الرعاية الامريكية، والتفاهمات التي تلتها لغاية انسحاب حكومة شارون من غزة عام 2005 والتفاهمات بهذا الصدد.
*
إزاء كل ما ذكر آنفا؛ لماذا يصر نتنياهو على السيطرة على المحور؟ ولماذا يحدد صلاحيات الوفد المفاوض في هذه المسألة؟
تشير التقديرات الى ان هذا الاصرار هو دليل على استراتيجية تفاوضية إذ تبدي اسرائيل تقبل اكثر من صيغة بما فيها الانسحاب الجزئي او الانسحاب الكامل بعد نهاية العام الجاري او الاستعاضة بقوات دولية في معبر رفح، أي أن السيطرة العسكرية ليست غاية بحد ذاتها. كما تشير التقديرات إلى أن تحويل الانظار الى فيلادلفي يزيحها عن هدف حقيقي جوهري آخر، ألا وهو إبقاء السيطرة على محور نيتسريم. وهو من حيث استمرار "السيطرة الامنية" على غزة يعتبر الأكثر أهمية للمدى البعيد، اذ يتيح تحكما عسكريا وأمنيا واقتصاديا بالأساس تحكما في التوزيعة السكانية لقطاع غزة كما يتيح استدامة بتر القطاع، وتحويل مسألة النزوح القسري المتكرر الى وضعية ثابتة أسوة بالسياسات التي تلت النكبة48 والنكسة 67 تجاه اللاجئين والنازحين. مثل هذا التوجه هو في صميم العقيدة الصهيونية الحاكمة وأبعد من أن يتم حصره في أهداف سياسية شخصية لنتنياهو كي يحافظ على حكمه بل يوج تأييد سياسي واسع له يتجاوز الصراعات الحزبية.
السيطرة على محور نيتسريم تتيح لإسرائيل داخليا الحسم بشأن مصير قطاع غزة هل سيبقى متواصلا جغرافيا، أم سيتم تقسيمه والسيطرة على شماله، اذ ان الصراعات الداخلية حاليا هي حول اولوية الصفقة على مواصلة الحرب لفترة وليست حول مصير غزة ولا حول استدامة الحرب.
للخلاصة:
• نظرا لتعدد الاطراف صاحبة الشأن المباشر في محور فيلدلفي ومعبر رفح، فإن دور مصر قد يحسم الامر ويمنع حكومة نتنياهو من الابقاء على سيطرتها، ويعيد المعبر الى السيادة المصرية الفلسطينية كلٌّ من جانبه.
• باتت المعابر من خلال استدامة الاحتلال وإطالة أمد المفاوضات بمثابة آلية للحصار التجويعي والتعطيشي ومنع الدواء والعلاج وكل مقومات الحياة الفلسطينية في غزة.
• يبدو انه في حال نجحت خطة اسرائيل في البقاء في محور نيتسريم وسط غزة، سيكون القطاع أمام وضع مستدام من السيطرة الاحتلالية ولمدى بعيد.