مناورات نتنياهو الالتفافية على السابع من أكتوبر

على خلفية التقديرات المتشائمة بأن مقومات حياة الاسرى والمحتجزين الاسرائيليين في خطر بمرور عام، وبأن الحملة العسكرية المكثفة المتجددة على شمال القطاع قد تشكل خطرا على من بقوا على قيد الحياة، عقد نتنياهو عشية السابع أكتوبر/تشرين اجتماعا امنيا مساء الاحد 6 أكتوبر، خصص لمناقشة "أفكار جديدة" تتعلق بالطريق المسدود بشأن الصفقة في غزة. جاء الاجتماع بناء على طلب الوزيرين سموتريتش وبن غفير في سياق إعلان نتنياهو نقل مسؤولية "المساعدات الانسانية" لقطاع غزة الى الجيش.
عارض كل من رئيس اركان الجيش ورئيس الشاباك وبشدة توجه رئيس الحكومة واعتبروه إشغالا للجيش في قضايا ليست من دوره، وانه يتطلب تخصيص قوات كبيرة وعلى حساب حاجة الجيش للجنود لمهام حربية في لبنان والضفة الغربية ولتغطية تكلفة شراء الاغذية والمواد الطبية وعملية التوزيع. كما اشار الجيش والشاباك الى ان نقل المسؤولية الى الجيش سيعرّض الجنود للخطر.
ترفض المنظمات الدولية الانسانية والوكالات الأممية القيام بأي دور يكون في إطار سياسة اسرائيل بترسيخ الاحتلال وشرعية وجودها في قطاع غزة، كما ان هذه الوكالات "لن تشارك في خطة لا تقع ضمن مسؤوليتها الكاملة". كما وان المساعي الاسرائيلية في الدفع لإقامة منظومة دولية او عربية تقدم المساعدات الانسانية لأهالي غزة اخفقت حالياً. هذا مع الاشارة الى تدمير اسرائيل لكل منشآت وبنية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين - الاونروا.
تقوم فكرة نقل الموضوع اعلاه الى مسؤولية الجيش على التقديرات بأن نقلها الى مقاولي تنفيذ فلسطينيين مقبولين على اسرائيل قد فشلت، ولا تعفي اسرائيل من مسؤولياتها القانونية وفقا للقانون الدولي. بينما أمنياً تفيد تقديرات الجيش والشاباك الى ان حركة حماس قد نجحت في السيطرة على هذه المساعدات وفرض ضرائب على المعتمدين من قبل جيش الاحتلال، ووفقا للشاباك فإنها تعيد بناء نفسها وتعزيز نفوذها من خلال هذه المساعدات والمنظومة التي اقامها الجيش.
يعتبر وزير الحرب غالنت اول من توصل الى ضرورة اقامة منظومة تحت السيطرة الاسرائيلية المباشرة وقوامها مجموعات مستفيدة من فلسطينيين "غير معادين لإسرائيل"، وقد اشار في شهر اذار الى مشروع تجريبي يجري تطبيقه في حي الزيتون في مدينة غزة وقوامه تقسيم المدينة كما كل قطاع غزة الى مربعات منفصلة فلسطينياً وتحت ادارة الجيش الاسرائيلي، ومعتقدا بأن مثل هذا المشروع سيضمن مصادرة سلطات حماس المدنية والادارية سعيا لتقويضها الى جانب الضربات العسكرية سعيا لتفكيكها.
يقوم نتنياهو بتسويق "الافكار الجديدة" اسرائيليا باعتبار ان حركة حماس حين تشعر بأن اسرائيل تقوم بمصادرة صلاحياتها الادارية والحاكمة، فإنها سوف تستسلم لشروط اسرائيل بشأن صفقة التبادل والتهدئة. وهي رسالة موجهة الى عائلات وذوي الاسرى والمحتجزين الاسرائيليين في غزة الذين تتعزز لديهم القناعة بأن الحكومة الحالية لن تعيد ذويهم وهم على قيد الحياة، وبات اليأس من الحكومة يسيطر على حراكهم، والذي تعزز بانضمام غدعون ساعر وحزب اليمين الرسمي اليها.
تأتي هذه المشاورات الامنية في ظل السعي الاسرائيلي الى انشداد الانظار دوليا الى الجبهة الشمالية والحرب الاسرائيلية ضد حزب الله ولبنان، والسعي لتحويلها الى حرب اقليمية بدعم امريكي. اذ تعتبر حكومة اسرائيل ومعها المعارضة بأن غزة كما الضفة الغربية باتت تتموضع في الساحة الاسرائيلية الخلفية، وبأن التوقيت مؤاتٍ لإسرائيل لتطبيق مخططاتها التصفوية المعلنة وغير المعلنة رسميا.
يبدو ان هذه المشاورات وعشية السابع من اكتوبر جاءت في إطار العبث بجدول الاعمال الاسرائيلي وصرف الانظار عن استحقاقات مرور عام كامل على حرب الابادة المستدامة والاخفاق الاكبر في تاريخ اسرائيل. بشكل حصري لتجاوز الضغط الشعبي الاسرائيلي الداخلي بصدد الصفقة واتهام نتنياهو شخصيا بأنه من يعوّق إبرامها، ثم لتجاوز المطالبة بإقامة لجنة تحقيق رسمية، والتي وفقا لنتنياهو قد تقام لكن فقط مع نهاية الحرب المفتوحة.
بدوره ايضا، يأتي خطاب نتنياهو الناري ضد الرئيس الفرنسي ماكرون في سياق الالتفاف على استحقاقات السابع من اكتوبر. فقد خصص رئيس حكومة اسرائيل شريطا مسجلا في اعقاب تصريح ماكرون بضرورة تعليق بيع الاسلحة لإسرائيل والتي تستخدمها في حربها على غزة. وكان ماكرون قد زار اسرائيل مباشرة بعد السابع من اكتوبر وساندها بشكل مطلق وفقا لتصريحاته قبل عام. بينما يعتبره نتنياهو بأنه يقف في المكان الخطأ والمشين تاريخيا وأن اسرائيل ستنتصر سواء مع دعم فرنسا او بدونه لكن وصمة العار ستلاحق ماكرون، الذي خرج عن معسكر قوى التحضر والخير الذي تقوده اسرائيل نيابة عن الغرب بأكمله في التصدي لإيران وحلفائها وفقا لنتنياهو.
من المعروف ان نتنياهو كما حكام اسرائيل لا يأبهون لاي موقف من اية دولة او هيئة أممية باستثناء الولايات المتحدة التي يعتبرونها مصدر الشرعية والقيم. بينما يستغل خطابه لمحاربة اي صوت دولي يعيد تركيز الانظار على غزة التي تتعرض لحرب الابادة المتواصلة. في حين سيقوم بتسويق نفسه اسرائيليا داخليا بأنه "الوحيد الذي يقف في وجه الضغوطات الخارجية"، وفي افتعال المواجهات فإنه يتهرب من مواجهة استحقاقات الصفقة.
يدرك نتنياهو بأنه بقيامه بالخطوات المذكورة اعلاه داخليا وخارجيا، فإن المعارضة البرلمانية غير قادرة على بلورة موقف خارج إطار سياسته في ادارة الحرب وحصريا منذ انسحاب غانتس وايزنكوت من كابنيت الحرب. حتى انها غير جاهزة للمطالبة بلجنة تحقيق او بوقف الحرب، بل تدعمها. ان المحاججة التي كانت بأن الانتقال الى الحرب على الجبهة الشمالية انما كان بالإمكان تداركه لو أبرم نتنياهو الضفقة والتهدئة متعددة الجبهات.
للخلاصة:
- يبدو ان نتنياهو قد يحقق بشكل لحظي غايته بالالتفاف على استحقاقات السابع من اكتوبر وفيما يتعلق بالصفقة والتهدئة، او بتحمل مسؤولية الاخفاق الاكبر في تاريخ اسرائيل او في مسألة اقامة لجنة تحقيق رسمية.
- رغم ارتفاع شعبيته في اعقاب الاغتيالات في لبنان، يبدو ان جدول الاعمال الاسرائيلي لا يستطيع تجاوز اخفاق السابع من اكتوبر وتداعياته.
- بسبب انشغال العالم في الحرب في لبنان واحتمالات الحرب الإقليمية، تتزايد الأصوات الحكومية بأن التوقيت مؤاتٍ لإسرائيل لتطبيق مخططاتها التصفوية المعلنة وغير المعلنة رسميا في الضفة الغربية،
- دون الدخول في موقف فرنسا ورئيسها المشين في دعم الحرب في بدايتها ومبايعة حرب الابادة، الا ان خطاب نتنياهو المهين لماكرون ولفرنسا قد يكون فرصة في تقويض الرواية الاسرائيلية القائمة على جنون العظمة وعلى اهانة الانسانية برمتها من خلال تصوير نفسه حامي "التحضّر".
- يسعى نتنياهو الى الضغط دوليا لإقامة منظومة تأخذ على عاتقها "المساعدات الانسانية" ولتخليص الاحتلال الاسرائيلي من هذه المسؤولية قانونيا.