قراءة أولية: انتهت الضربة الاسرائيلية لإيران لكن الحرب لم تنته

مقالات


  • السبت 26 أكتوبر ,2024
قراءة أولية: انتهت الضربة الاسرائيلية لإيران لكن الحرب لم تنته
من الاستهداف الإسرائيلي لإيران

لم يجد الناطق العسكري الاسرائيلي في تصريحاته الاولية فجر السادس والعشرين من أكتوبر والقصف على إيران غير القول، إن الضربة التي استخدمت قرابة مئة طائرة حققت أهم هدفين، الأول، إثبات قدرة إسرائيل على القيام بأي استهداف عيني محدد تريده في إيران؛ والثاني، بأن حرية عمل سلاح الطيران الاسرائيلي في اجواء ايران قد ازدادت. لكن اللافت أن الناطق العسكري قد أبقى الكثير من الغموض المحيط بالعملية. كما تحدّث عن التنسيق الوثيق مع الجيش الامريكي وقيادة المنطقة الوسطى دون أن يوفر تفاصيل.

- ردود الفعل الأولية رغم قلتها بسبب عطلة السبت اليهودية، إلا أنها تكشف حجم الخلافات السياسية والموقف من الجيش وهويته والصراع حول مستقبل قيادته. فالمعارضة المنتمية في معظمها إلى التيارات العلمانية، أشادت بالجيش وبسلاح الطيران وبالموقف الأمريكي، بينما وجهت سهام نقدها لنتنياهو وغالانت، اللذين أطلقا التصريحات الرنانة في الاسابيع الاخيرة وبأن "الارض سوف تهتز وسيعلم العالم على ماذا تدرب سلاح الجو وما هي قدراته" كما جاء في أقوال غالنت، في حين وعد نتنياهو بضربة لن تكون إيران قادرة على توقعها.

- رغم إعلان واشنطن رسميا أنها أبلغت بموعد الضربة وأهدافها وأنها لن تشارك في العمليات، إلا أن حجم الضربة يشير إلى أبعاد دولية تتجاوز موازين القوى بين اسرائيل وايران وإمكاناتها العسكرية، فوسائل إعلام إسرائيلية ركزت على الدعم الروسي الاستخباراتي والتكنولوجي والعسكري لإيران بما يوحي أن الضربة لم تحقق أهدافها المعلنة وهو استهداف البنية الصاروخية الدفاعية الإيرانية. كما أن الإشارة إلى الدعم الأمريكي الاستخباري والغطاء الحربي على الأرض تحسبا لرد فعل إيراني كبير، يشير إلى الأبعاد الدولية للتوتر العسكري الإقليم، وهو مؤشر وعامل آخر تدخل في حجم ونوعية الضربة الإسرائيلية.

- دبلوماسيا، كان لافتا الإدانات العربية لإسرائيل، وحصريا موقف الدول الخليجية والمملكة العربية السعودية التي أدانت الهجوم الإسرائيلي، والتقدير الاولي، ان تسريع الرياض بهذه الإدانة يبقي الباب مفتوحا لمسار التطبيع الإيراني السعودي الذي بدأ في بكين، وأن مصلحة السعودية هي تبريد الصراعات طويلة الأمد مع إيران وليس تسخينها. وهو توجه يلتقي مع الخطوات الدبلوماسية الايرانية تجاه المنطقة والتي سبقت التصعيد الإسرائيلي الأخير. وتقدير العديد من المراقبين ان ادانة الرياض يتوجب النظر إليها في سياق التنبه السعودي لخطورة التهديد الذي تشكله السياسات الاسرائيلية على الأمن القومي العربي والإقليمي وعلى الأمن القومي لكل بلد. كما أنه تعبير عن ترسخ متصاعد لموقف عربي وخليجي على وجه الخصوص، يتشكك في السياسة التقليدية التاريخية التي راهنت على الموقف الامريكي، بل والسعي الى المشاركة في تشكيل تكتلات تسعى الى نظام عالمي متعدد الأقطاب وفقا لمصالح الدول.

- كما يؤشر الموقف السعودي إلى أن الرياض باتت مرشحة قوية للعب دور أساسي لإيجاد مخرج للحرب المفتوحة على لبنان ومحاولة اعادة التوازنات داخلية الى مسارها الطبيعي والذي يوفر استقرارا وتوافقا، وهو الأمر الذي يحتاج الى توافق سعودي إيراني، تحتاجه الرياض أيضا في مقارباتها وانخراطها النشط مؤخرا في الحالة الفلسطينية، شاهدها على ذلك طرح فكرة المؤتمر الدولي لمعالجة صراعات المنطقة وحل نهائي للقضية الفلسطينية.

- التقدير أن الانضباط الإسرائيلي في نوعية الضربة والابتعاد عن استهداف رموز النظام ولا المنشآت النفطية ولا النووية الايرانية، يعود إلى أن التهديد الإيراني الذي سبق الضربة فجر السادس والعشرين من أكتوبر برد واسع لا يستثنى البنى التحتية ليس في إسرائيل وحسب وإنما في الإقليم بما في ذلك تعطيل ممرات التجارة البحرية، هذا التهديد استقبل في العواصم الغربية وواشنطن بصورة جدية. وبذات الجدية جرى تقييم الهجوم الصاروخي النوعي في الأول من تشرين أول/أكتوبر والذي اثبت نجاحا متميزا في تجاوز المنظومات الاسرائيلية متعددة الطبقات ووصل إلى أهدافه بشكل دقيق ومحدد، اعترفت به تل أبيب لاحقا.

- تحدثت التصريحات الأمريكية عن وقف الحرب في لبنان وغزة في سياق صفقة اقليمية تشمل عودة الاسرى والمحتجزين الإسرائيليين. كان يمكن أن يمر هذا التصريح لتكراره واحتسابه على الترميز التضليلي، إلا أن الانضباط الإسرائيلي للتوجيهات الأمريكية بشأن الضربة المحدودة لإيران، يدفع المراقب الى الاستخلاص ان وقف العربدة الإسرائيلية وحروبها في الإقليم له حدود وان قرارها تشارك به واشنطن، واليها يجب ان توجه الضغوط العربية ، فالجنون الإسرائيلي المنفلت من عقاله بات الخطر الرئيس على الأمن والاستقرار في المنطقة 

- التقدير بأن حرب الابادة في غزة وحصريا في شمال القطاع، والمخططات الجيوسياسية وفقا للنوايا الاسرائيلية ربما يستمر ويتصاعد ويحتاج الى مقاربات عربية ودولية مختلفة لم تعد تنفع معه المعالجات الجزئية وإنما حلا شاملا ونهائيا باعتبار قضية الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية هو جوهر كل صراعات المنطقة، فيما يبدو مرجحا ،استعداد إسرائيل المبدئي للتوصل إلى حل في لبنان بعد الحسم العسكري، وللتفاهم مع إيران في إطار تفاهمات أميركية إيرانية، وفي حال ضمان  فك الارتباط بين الجبهات وإنهاء استراتيجية جبهة الاسناد.

- التقدير أيضا أن الوقائع التي خلفتها الحرب على غزة ولبنان وبوادر حرب إقليمية، أحدثت تصدعا كبيرا في رواية نتنياهو ومساعيه الحثيثة لتغييب قضية فلسطين وبأن الصراع في المنطقة هو صراع "وجودي" مع ايران، ليصل الى خلاصة نواياه، وفي الجوهر، التطبيع الكامل مع الدول العربية والتحالف ضد المحور الإيراني.

للخلاصة:

•⁠  ⁠ما بين الضربتين، الإيرانية في الأول من أكتوبر والرد الإسرائيلي بعد 25 يوما، لا تزال معادلة الردع قائمة بين البلدين، خاصة بعد فشل حكومة نتنياهو في توريط الولايات المتحدة بشكل شامل فيها.

•⁠  ⁠لا يجب الاطمئنان للنوايا الإسرائيلية الحقيقية حالما تتوفر الظروف المواتية ، فتصريحات المتحدث العسكري بصدد حرية العمل في المجال الايراني تشير الى نوايا عدوانية قائمة، وفيها مؤشرات الى ان الضربة الاسرائيلية لم تنته بالضرورة وربما ستنتقل المواجهة الى ساحات ومجالات أخرى ليس كلها تحتاج الى ترسانة متقدمة من الصواريخ والطائرات.

•⁠  ⁠كل التصورات المستقبلية لمستقبل الحروب المفتوحة في المنطقة، منوطة بالنهايات سواء في لبنان او في غزة، ولا يزال الحسم بعيدا الا اذا اضطرت اسرائيل على الاعتراف بمحدودية قوتها.

. . .
رابط مختصر



اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة *

مشاركة الخبر