قتلى وجرحى في صفوف جيش الاحتلال في لبنان..هل العملية البرية في طريقها للفشل في الجنوب؟

تتداول وسائل إعلام إسرائيلية بشكل يومي ما تصفه بـ "حدث أمني صعب في الشمال" لِيعلن جيش الاحتلال بعد وقت وجيز عن سقوط قتلى وجرحى في صفوفه، فما دلالات سقوط عدد من جنود الاحتلال بين قتلى وجرحى بشكل يومي تقريبا في المعارك البرية جنوب لبنان؟
ويقول الباحث والمحلل السياسي نضال وتد للجرمق إن، "الجيش الإسرائيلي ادعى أنه قضى على نصف قدرات حزب الله، والنصف الآخر ليس قليل، وحسب ما كان يعلن في التقارير المختلفة أن حزب الله يمتلك قوات عسكرية تفوق 20 إلى 30 ألف مقاتل، بالتالي الجيش الإسرائيلي يواجه قوات متدربة ولديها الآن غير الحافز السياسي كعمل مقاومة، ولديها حافز إبداء الشدة والضراوة خصوصا بعد اغتيال قيادات حزب الله، أي أنه هناك حافز إضافي لتكون الحرب قاسية".
ويتابع للجرمق، "سقوط العدد الكبير من القتلى، في سيناريوهات سابقة كان الحديث يدور عن أن مواجهة ميدانية على أرض لبنان لن تكون سهلة، صحيح أن المستوى السياسي الإسرائيلي وقسم من المؤسسة الأمنية أبدى نوع من الاستخفاف بقدرات حزب الله لكن كان هناك جنرالات سابقون حذروا من مغبة الخوض مجددا في الوحل اللبناني، إذا كان الغزو الإسرائيلي الأول للبنان عام 1982 لإخراج قوات منظمة التحرير ووجه بعدد من القوات العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية أقل بكثير من حزب الله واضطر الجيش الإسرائيلي وقتها للانسحاب، فإن الحرب البرية هي صعبة للغاية".
ويردف، "هناك بروتوكول واضح في إسرائيل، في البداية يُعلن عن حدث أمني خطير لأن القانون الإسرائيلي الداخلي والقانون المدني يُلزم في البداية بإبلاغ عدد الجنود الذين سقطوا وقتلوا ثم يُعلن بصيغة ثابتة تقريبا أنه قتل اليوم عدد من الجنود وتم إبلاغ العائلات".
ويقول للجرمق، "التأخير في الفترة الماضية بالإعلان عن أعداد القتلى بسبب عيد العرش أو عيد نزول التوراة كما يسمى، بالتالي لا يجوز القيام بخطوات رسمية أو التنقل بمركبة عسكرية لإبلاغ العائلات أن ابنهم سقط خاصة إذا كان الجنود من المتدينيين وبالتالي الإعلان كان يتم مع خروج العيد وخروج السبت أحيانا".
ويضيف، "هذا يعني أن الجهات التي توقعت مواجهة برية ضارية مع حزب الله كانت صادقة خلافا لمن اعتقدوا أنه لا يزال بإمكانهم مواصلة الحرب من الجو وأن الغارات الجوية ستعني في النهاية ابتعاد المقاتلين من الميدان البري وهذا كله الآن في نقاش داخل إسرائيل عن محاولات قيادة الجيش من أيزنكوت ومن تلاه في الجيش بالانتقال من جيش يعتمد على الحرب البرية إلى جيش يعتمد على سلاح الجو والحرب السيبرانية والاستخباراتية، وهناك نقاشات عديدة من عدد من الباحثين العسكريين ومؤخرا صدر كتاب عن إهمال الجانب البشري الميداني لصالح التفوق الجوي والتفوق السيبراني".
ويتابع، "هذا كله يضع المستوى السياسي الإسرائيلي في مواجهة مع الشارع الإسرائيلي الذي كان يروج أن الحرب سهلة مقابلة حزب الله ولبنان وأن المسألة ستكون سهلة وبالتالي وافق سكان المستوطنات الحدودية بإخلاء مستوطناتهم والانتقال لمناطق بدا للوهلة الأولى أنها آمنة والآن بدأ يتضح أن حزب الله يطالها بصواريخه، ومسألة إعلان القتلى الإسرائيليين في لبنان مرتبط بقدرة حزب الله التوثيقية للمعارك وقدرته على بث ما يحدث ميدانيا كما تفعل كتائب القسام وسرايا القدس عندما توثق الهجوم على مدرعة إسرائيلية أو اشتباك ما يحول دون قدرة حكومة إسرائيل على السيطرة على المعلومات وكتمان عدد الجنود القتلى خصوصا أن وسائل التواصل الاجتماعي الإسرائيلية تتناقل بسبب الحاجات الدينية عند مقتل أحد الجنود أن يُعلن عن وفاته وتوضع عادة إعلانات عن الوفاة الذي يسكن به الجندي وبالتالي لم يعد ممكنا إخفاء عدد القتلى أو الإعلان عنها".
ويقول، "عدد القتلى الإسرائيليين المرتفع جنوب لبنان يشير إلى أن هناك محاولة من القيادة العسكرية أكثر من السياسية لإظهار الثمن الحقيقي الذي يدفعه المجتمع الإسرائيلي في الحرب البرية مع إضافة أن الإنجازات والأهداف العسكرية التي يفترض أن ينفذها الجيش قد نفذها وهذه محاولة لنقل المسؤولية من المستوى العسكري إلى المستوى السياسي، أي أن المجتمع الإسرائيلي يدفع الآن أثمان بأعداد القتلى ليس لأهداف عسكرية وإنما لأهداف سياسية تتعلق بتوجهات الحكومة الحالية بدليل أن كثير من الجنرالات يقولون إن إسرائيل وصلت لنقطة يمكنها أن تتوصل لحل سياسي ولكن الدوافع السياسية للحكومة الحالية تعرقل ذلك بمعنى أننا سنشهد في الأسابيع القادمة بدء حالة من التململ لهذا العدد الكبير من القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي الذي يسقط في لبنان مدفوعة بتحليلات من جنرالات سابقين يقولون إنه يمكن التوصل لحل ويمكن فرض قسم من الشروط الإسرائيلية على الحكومة اللبنانية تحت مسوغات قرار 1701 وإضافة شروط لنزع سلاح حزب الله واختيار رئيس جديد للبنان وحل الأزمة الحالية".
ويتابع، "هذا كله مرتبط بالخطة السياسية لدى نتنياهو الذي يُبقي جزء منها مخفي، والآن كما نرى أعداد كبيرة من الجنود الإسرائيليين يُقتلون خلال المعارك جنوب لبنان وهذا قد يعيد للإسرائيليين وتحديدا لمن خدموا في الجيش الإسرائيلي عام 1982 المشاهد التي كانوا يرونها وقد يعيد لهم ما يسمى صدمة ما بعد الحرب وهذا قد يثير المجتمع الإسرائيلي وقد نشهد نوع من الحراك الإسرائيلي ضد مواصلة العمليات البرية في لبنان مع أن الجانب السياسي في إسرائيل وبما فيها أحزاب المعارضة انتهازي".
ويقول للجرمق، "عدم قدرة إسرائيل بالسيطرة على تدفق المعلومات من جهة بفعل أثر شبكات التواصل الاجتماعي ونشاط حزب الله بتوثيق عملياته يحد من قدرة الحكومة على التكتم على ما يحدث فعليا بالميدان وهذا يُشكل عامل ضغط على الحكومة الإسرائيلية ولكن هذا يحتاج لوقت حتى تبدأ حركة نشطة في المجتمع الإسرائيلي ضد الحرب البرية في لبنان كما حدث عام 1982 والتي توجت في حينه بمظاهرة في تل أبيب كانت الذروة بالمظاهرات الإسرائيلية في ذلك الوقت مقارنة بعدد السكان الإسرائيليين حيث شارك بها نحو مئة ألف متظاهر في قلب تل أبيب طالبوا بالانسحاب من لبنان".
ويختم، "هذا العدد يعتبر قليل مقارنة بعدد السكان بالتالي إذا استمر تدفق الأخبار عن سقوط جنود يوميا في لبنان هذا يدفع المجتمع الإسرائيلي لبدء الصحوة من مشاعر النشوة والقدرة غير المحدودة لإسرائيل وليكتشفوا أن الحرب ستكلفهم ثمنا باهظا ليس فقط اقتصاديا ولكن الثمن البشري الذي يجعل إسرائيل غير آمنة ويكلفها أبناؤها من جنود الاحتياط الذين يخدمون إلى جانب الجنود النظاميين وهذا سيؤدي إذا تدحرجت هذه الكرة إلى حالة احتجاج حقيقية على ما يحدث جنوب لبنان لأنهم يعتبرون جنوب لبنان مع وجود حزب الله يختلف عن قطاع غزة في العقل الباطني الإسرائيلي الذي لا يرى بالفلسطينيين بشر اليوم ولكن يرى لبنان في نهاية المطاف إطار سياسي يمكن التحكم به بفعل خضوعه للهيمنة الأمريكية من الجانب السياسي الرسمي مقابل الحد من النفوذ الإيراني".