تصريحات بوهلر تكشف مستوى التوتر بين إدارتي ترامب ونتنياهو

تصريحات المبعوث الامريكي بوهلر، بأن الولايات المتحدة ليست وكيلا لاسرائيل، واتهام الادارة لإسرائيل بانها تحاول إحداث شرخ بينه وبين المبعوث الامريكي للمنطقة ويتكوف، ليست زلة لسان، بل دليل على توجهات قوية في ادارة ترامب. ورصد مراقبون اتساع الفجوة بين ادارة ترامب ونتنياهو الذي بات في نظر الادارة عائقا أمام المصالح الامريكية الكبرى. في تصريحه أكد بوهلر ان ما يحدد سياسة الولايات المتحدة هو مصالحها. فيما ارسلت اسرائيل “رسالة غاضبة” الى البيت الابيض وهي رسالة صادرة عن الوزير ديرمر وليس عن نتنياهو مباشرة.
بعد انكشاف الاتصالات المباشرة بين بوهلر وقادة حماس، استخدمت اسرائيل ما لا تحظى به اية دولة في السياسة الامريكية، وهو قوى الضغط على مواقع اتخاذ القرار، ليضطر وزير الخارجية الامريكي ماركو روبيو الى الإعلان أن الاتصالات مع حماس كانت لمرة واحدة ولم تسفر عن اي تقدم.
في هذا السياق انتدبت حكومة نتنياهو وفدها الامني برئاسة نائب رئيس الشاباك الى الدوحة لمواصلة مفاوضات الصفقة بعد تمديد المرحلة الاولى منها. كما حدد الكابنيت صلاحيات الوفد دون التفاوض على المرحلة الثانية. ويقيم هذا الانتداب باعتباره رسالة سياسية من نتنياهو الا انه لا معني جوهري له. فليس مستوى الوفد المفاوض هو الذي يقرر اسرائيليا، بل المستوى السياسي والمتواصل على مدار الساعة مع ادارة ترامب. ثم ان الحكومة الاسرائيلية تولي اهمية حاسمة للتفاهمات مع واشنطن لتكون نافذة في المفاوضات. وفقا للقناة 12 الاسرائيلية (11/3/25) فإن الادارة الامريكية تقوم بحملة ضاغطة بقوة على كل من اسرائيل وحماس لإحداث تقدم يفضي الى تطبيق الصفقة بكل مراحلها، ووفقا لهذه التقديرات فإن جولة ويتكوف تهدف الى احداث تقدم جوهري ضمن تكثيف المراحل واستحقاقاتها. ووفقا للمصادر الاسرائيلية فإنه يحمل في جعبته عددا من القضايا وليس فقط الصفقة، بما في ذلك الوضع في لبنان والمشروع النووي الايراني والعلاقات الامريكية السعودية.
تدور التجاذبات الاسرائيلية الداخلية والتي تبدو حاسمة، في موقعين؛ الاول هو الشارع الاسرائيلي متمثلا بحراك عائلات الاسرى والمحتجزين الذي يشهد تعاظما من حيث السعة والأثر؛ فيما الموقع الاخر هو البيت الابيض. يُلقي حراك العائلات كامل المسؤولية بصدد الغموض الذي يحيط بمصير المفاوضات على كاهل نتنياهو وحكومته ويطلبون من ادارة ترامب التي يثقون بها ان تفرض على نتنياهو الالتزام بكامل استحقاقات الصفقة ومنع حكومته من تجديد الحرب المكثفة على القطاع، والتراجع عن قطع التلويح بقطع الماء والكهرباء عن غزة وتجويع اهلها اكثر، وذلك حفاظا على ارواح ذويهم المحتجزين في غزة. من اللافت ان ادارة ترامب تتعاطى مباشرة مع حراك العائلات ويستقبل ترامب وفدا عنهم مفاده أولوية اتمام الصفقة واعادة الاسرى والمحتجزين، كما باتت تتعاطى مباشرة مع حركة حماس وتدير مفاوضات معها.
قرار الكابنيت الاسرائيلي بقصر صلاحيات الوفد الامني المفاوض في نطاق بحث مقترح ويتكوف، فيه مرواغة للراي العام اليميني، اذ انه في حال قررت ادارة ترامب ما تقرره فلن يكون مساحة مناورة امام نتنياهو لعدم الاذعان. فيما تطالب عائلات المحتجزين منح الوفد تفويضا كاملا مما يتناسب مع الموقف الامريكي.
من المستبعد تماما ان تدور المحادثات التي يقوم بها بوهلر مع حماس حول عملية التبادل فحسب، بل حول الترتيبات اللاحقة في غزة وفي الشأن الفلسطيني، فقد تطرقت الى الهدنة طويلة الامد وللوضع في الضفة والقدس، في تجاوز للكيانية الفلسطينية ولحقيقة ان حماس ليست الممثل للشعب الفلسطيني، الا انها مفاوضات تستند الى الوضع القائم في غزة. لكن من طبيعة الولايات المتحدة ان تتواصل بمسار مباشر مع جميع القوى الفاعلة. فيما فلسطينيا فإن ما تطرحه حماس يتنافى مع مخرجات القمة العربية ومشروع اعادة الاعمار وادارة غزة التي ستحال الى السلطة الفلسطينية، وقد سبق ان اعلنت حماس تبنيها لمخرجات القمة العربية وترحيبها بها.
اسرائيليا قد يجد نتنياهو “الغاضب” على المحادثات الامريكية المباشرة مع حماس، فرصة لتعميق الصراعات الفلسطينية الداخلية حول الكيانية والتي تتأسس على الانقسام طويل الامد، والذي استغلته حكوماته لإضعاف الموقف الفلسطيني ويخدم عقيدته بالسعي الى تقويض اية احتمالية لقيام دولة فلسطينية في الضفة والقطاع.
في حالات ممثالة في ادارة الصراعات سعيا لمنع حلها يلجأ الطرف المعني الى مخارج غير مألوفة لا علاقة مباشرة لها في المسألة العينية طي المفاوضات، بل الى جبهات اخرى ضمن فرضية “حرب الاستنزاف متعددة الجبهات”، وقد يكون الاستهداف في جبهة اخرى بشرط ان يكون قادرا على خربطة الاوراق واحباط المسارات المتقدمة. قد يكون ذلك في الامكنة التي تعتبر الاسهل مثل سوريا او لبنان. وفعليا شهدت الساحتان غارات اسرائيلية واسعة النطاق ومكثفة للغاية، وغايتها في لبنان كما يبدو تحريكية لمفاوضات تملك فيها اسرائيل القوة، وفي سوريا ترسيخ الواقع الجديد من السيطرة الاسرائيلية الاخذة بالاتساع.
رغما عن اللهجة الحربية العنيفة بصدد تجديد الحرب المكثفة على غزة، لم تعد اسرائيل الى الهجوم المنظم على القطاع، بل حتى المقترحات المستجدة بصدد تغيير جدولة مراحل الصفقة فإن الحرب لم تتجدد على القطاع سواء بضغط من الجيش واحتمالات اتساع الاحتجاج والرفض بوصفها حربا لاغراض سياسية حزبية، ام اثمان الحرب وانعدام اهداف حربية حقيقية ما لم يكن قرار حاسم بالتهجير القسري، وهو مستبعد حاليا.
تبقى الضفة الغربية وعملية التطهير العرقي الواسعة وتقويض مقومات حياة الفلسطينيين بمثابة العامل الاهم في صيانة الائتلاف الحاكم وفي خدمة عقيدة نتنياهو بمنع قيام دولة فلسطينية.
للخلاصة:
** يبدو ان تصريحات بوهلر غير المسبوقة هي انعكاس لمواقف في الادارة الامريكية داعمة لإسرائيل دون تحفظ لكنها ترى ان نتنياهو وائتلافه يشكلان معوّقا للمصالح الامريكية العليا كما تحددها ادارة ترامب. كما تشير الى ان ادارة ترامب معنية بالتسريع في اغلاق ملف الحرب على غزة بإنجاز الصفقة لكونه يشكل حالة مفصلية معوّقة للمخططات الامريكية عالميا واقليميا.
** مهما كانت صلاحيات الوفد الاسرائيلي المفاوض الا ان حكومة نتنياهو لا تملك كما يبدو القدرة على الافلات من استحقاقات الصفقة. ولا من الاملاءات الامريكية.