على وقع خطط ترامب، نتنياهو يغير حساباته السياسية

تقديم: تحولات بطيئة في المزاج الاسرائيلي بعد وقف إطلاق النار مع إيران والهدنة التي فرضها ترامب. تأتي هذه التحولات بعد انكشاف ان الحرب التي صورها نتنياهو بأنها أدت مهمتها بشكل حاسم وبانها اعاقت القدرة النووية الإيرانية لسنوات طويلة ليست دقيقة وان مصير نحو 400 كلغم من اليورانيوم المخصب لا زال غامضا. وفي الجانب الاخر، بدأ يتكشف أيضا حجم الدمار الذي احدثته الصواريخ الايرانية في اسرائيل استراتيجيا وسكانيا. فالجدل المهني وليس السياسي الإعلامي، بات يميل الى إدراك عقم العقيدة التي تقوم على ادارة الحروب في عمق العدو، بينما تحولت الجبهة الداخلية الاسرائيلية والعمق الاسرائيلي الى الجبهة الامامية في حروب الصواريخ البالستية والمسيّرات. تزامن هذا التحول مع الاستفاقة على غزة من جديد، وبالثمن البشري والمعنوي نتيجة استمرار الحرب عليها والتي يعتبرها الراي العام الإسرائيلي، سياسية بامتياز وعبثية لن تحقق اهدافها.
ورطة نتنياهو مع التطبيع:
أمام هذه الصورة الشاملة لمشهد ما بعد الحرب، يطرح السؤال، كيف ستواجه إسرائيل ضغوطا أمريكية ودولية وجهت رسالة واضحة، بان الحروب الأخيرة والدور الأمريكي الحاسم في تغيير وضع ما يعرف بحزام الخطر في غزة ولبنان وايران وسوريا والحوثي في اليمن، يجب ان تستثمر من اجل التطبيع الشامل مع العالمين العربي والإسلامي، لكن ذلك لن يتم دون التقدم في استحقاق جوهري مطلوب وهو حل القضية الفلسطينية، وانهاء هذا الصراع التاريخي.
– اعتمادا على ما يسميه الانتصار المطلق على معسكر الاعداء، يطمح نتنياهو تطبيعا مع سوريا ولبنان، دون انسحاب من الجولان السوري المحتل ومزارع شبعا اللبنانية. كما يسعى الى التطبيع مع اندونيسيا وماليزيا، ومع درة التاج المملكة العربية السعودية دون التقدم فعلا في الملف الفلسطيني ووقف حرب الإبادة والاستيطان. في هذا السياق يبدو ان أحد الحلول التكتيكية المطروحة هو الابتعاد عن سموتريتش وبن غفير.
– ولاستكمال إعادة تدوير نتنياهو من اجل استكمال مهمته بإنهاء حربه على غزة ، كان لافتا تدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في موضوع محاكمة نتنياهو، واعتباره بطلا قوميا لا تجوز محاكمته، واعتبر ترامب ان جلسات المحكمة تعطّل وتيرة التقدم نحو الصفقة في غزة واقليميا. الامر الذي اعتبرته المعارضة ومعها الجهاز القضائي والمجتمع المدني تدخلا فظا في قدس اقداس سيادة الدول الا وهو جهازها القضائي الداخلي. لكن المفاجأة كان موقف حزب الصهيونية الدينية ممثلا برئيس لجنة القضاء والدستور روتمان الذي رفض تدخل ترامب في سيادة اسرائيل.
– يبدو أن حزب الصهيونية الدينية يدرك ان تدخل رئيس أكبر دولة في العالم في أشغال محكمة إسرائيلية يتجاوز شأنا داخليا وان هدفه الحقيقي هو قيادة تحولات اقليمية وصفقة تطبيع عربية جديدة مقابل اعتراف اسرائيل بدولة فلسطين او اتخاذ خطوات في هذا السياق. وليس غير نتنياهو يستطيع اقناع الراي العام الاسرائيلي بها، باستثناء جزء من جمهور اقصى اليمين، مقابل الغاء ملفاته القضائية والتمهيد لأنهاء دوره السياسي بترك بصمتين، الأولى ب “انتصار تاريخي يوصف بانه الاهم في تاريخ اسرائيل على ايران” والثانية في التطبيع وترسيخ وجود اسرائيل في المنطقة بحسب رؤية ترامب.
– تقدر بعض المصادر الإسرائيلية المتقاطعة ان استحقاقات مشروع التطبيع وتوسيع الاتفاقات الإبراهيمية، لا يمكن تحقيقها بتركيبة حكومة نتنياهو الحالية، الامر الذي يقتضي شبكة أمان برلمانية من المعارضة. إذ ان الأهداف الاستراتيجية لن تنحصر في انهاء الحرب على غزة، بل في حل للقضية الفلسطينية على اساس الدولتين.
– جاءت تصريحات رئيس الاركان زامير، ان الحرب لم تنجز هدف اعادة الاسرى والمحتجزين من غزة في اشارة الى محدودية الفعل العسكري، لتؤكد ان استمرار الحرب او وقفها يعودان بقوة الى جدول الاعمال السياسي والقرار الحكومي. وان المسألة لم تعد حاليا مجرد وقف إطلاق النار وإنما قرار استراتيجي، إما احتلال كامل وترسيخ الحكم العسكري في غزة ليتبعه استيطان وهو ما يعارضه الجيش بقوة، او صفقة شاملة بدفعة واحدة او اثنيتن بصيغة قد تنهي الحرب فعليا.
– تحظى تقديرات الجيش بدعم حازم من نفتالي بينيت الذي ينافس على رئاسة الحكومة ويدعو الى صفقة شاملة تنهي الحرب مع الحفاظ على سيطرة امنية في المنطقة العازلة على النقيض من موقف اقصى اليمين.
– وفقا لمعظم استطلاعات الراي العام، تبدو حظوظ نتنياهو وحزبه الانتخابية منفردا غير مطمئنة له. كما ويتضح ان منسوب النفور في الراي العام الاسرائيلي من سموتريتش وبن غفير يتسع، حيث تتراجع شعبيتهما من 12 نائبا وفقا للاستطلاعات قبل نحو عام، الى حوالي النصف اي من 6-7 نواب. لكن اللافت ان التراجع في شعبية كل منهما يذهب لدعم نتنياهو والليكود الذي عاد ليكون الحزب الأول.
– فيما لم يحدث انتقال من كتلة المعارضة الى نتنياهو والليكود. يبدو ان الوحيد القادر حاليا الى ضمان انزياح من كتلة الليكود وشركائه هو نفتالي بينيت.
– هدف نتنياهو هو الفوز في الانتخابات القادمة وان يحظى بمكانة الحزب الأول كي يتمكن من تركيب ائتلاف جديد، الامر الذي يبدو صعبا دون كتلة الصهيونية الدينية، في هذه الحالة ستكون مهمته الأولى هي الحيلولة دون تمكن المعارضة بقيادة بينيت من تشكيل ائتلاف سواء صهيونية بالكامل ام بالاعتماد على النواب العرب باعتباره امرا غير شرعي في العرف الاسرائيلي خاصة بعد اكتوبر 2023.
الخلاصة:
** التقدير بأن ترامب بعد الانتصار غير الناجز على ايران وفي غزة، يمد لنتنياهو حبل نجاه من المحكمة كي يجيّر دوره وظيفيا لصالح الاولويات الامريكية واستراتيجيتها القادمة في المنطقة، حتى بثمن انهاء نتنياهو لحكمه لكن يبقى له موروثه بصدد الحرب مع ايران والتطبيع في حال استطاع ترامب ذلك.
** في المعطيات الحالية ، تشير التقديرات الى ان كتلة اقصى اليمين لا وجود فاعل لها الا ونتنياهو على راسها، وعلى الرغم من ان نفوذ اليمين الصهيوديني والكهاني يتعزز في المجتمع الإسرائيلي، الا ان دور حزبي الصهيونية الدينية ظهر انه دور وظيفي.
** تشير التحولات المحتملة بأن نتنياهو المتمرّس في السياسة وفي ألاعيبها ، يراهن على توجهات ترامب بصدد توسيع الاتفاقات الإبراهيمية رغما عن استحقاقاتها اسرائيليا؛ او على انتخابات مبكرة لتصبح حكومته في حلٍّ من اغلبيته الائتلافية في حال ابرام صفقة شاملة بشأن غزة او التماهي مع الخيار الامريكي.
** التقدير ان ترامب يرسم حدود الدور الاسرائيلي باعتباره وظيفيا في السياسات الامريكية وجوهريا في توفير الحماية لإسرائيل.
** من غير الواضح حتى الان، ما إذا كانت الحرب على ايران وورطة غزة أدت الى صحوة في الراي العام الاسرائيلي، لكن الواضح ان مثل هذه الصحوة تحدث فقط بضغوطات دولية وخارجية الى جانب الحراكات المحلية,