الصفقة تتعزز احتمالاتها وتتعزز المخاوف من نتنياهو


  • الخميس 15 أغسطس ,2024
الصفقة تتعزز احتمالاتها وتتعزز المخاوف من نتنياهو
توضيحية

أقصى درجات التوتر هو الحالة المثلى لدى نتنياهو

التوترات داخل الائتلاف الحاكم بين الحريديم والصهيونية الدينية هي بيئة مريحة لنتنياهو 

تقارب لبيد ودرعي بعد قطيعة عشر سنوات، هو مؤشر لاحتمالية شبكة أمان لحكومة نتنياهو تدفعه نحو الصفقة

الحدث السياسي الاسرائيلي الأكثر لفتا للانظار عشية انطلاق الوفد الأمني نحو الدوحة، هو التقارب المفاجئ بين لبيد رئيس المعارضة، أرييه درعي رئيس حزب شاس الديني الحريدي، وذلك بعد قطيعة دامت عشر سنوات. يأتي التقارب بين الاثنين بكل ما يمثلانه، في اعقاب ردة الفعل الغاضبة على اقتحام الوزيرين بن غفير ووارسرلوف للمسجد الأقصى 13/8 واعلان بن غفير هدفه بإنهاء "الوضع القائم" في الحرم القدسي الشريف وبأحقية اليهود في إقامة الطقوس الدينية فيه. كان الصوت الأكثر وضوحا في مناهضة اقتحام بن غفير هو صوت المتدينين الحرديم (شاس ويهود التوراة)، والتوجه الى المرجعيات الدينية للبتّ فيما إذا كان بالإمكان مواصلة العضوية في الائتلاف الحاكم الذي يشارك فيه بن غفير.

لبيد ودرعي من الداعمين للصفقة ويسعيان إليها بمثابرة. وقد تزامن لقاؤهما مع اتصالات مكثفة مع كل منهما من قبل مسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية لضمان إبرام نتنياهو للصفقة سعيا لمنع التدهور نحو حرب اقليمية وحصريا على الجبهة الشمالية بين اسرائيل وحزب الله، ذات الأبعاد الدولية.

العلاقات بين حزبي الحرديم وبين المعسكر الرسمي برئاسة غانتس هي علاقات وثيقة ومبنية على ثقة متبادلة، في حين  كان التوتر مع رئيس المعارضة يحول دون التنسيق بين شاس والمعارضة. من شأن التقارب بين لبيد ودرعي أن يفتح الباب أمام المنحى المتسع بين الحريديم في عدم الالتزام مستقبلا بحكومة برئاسة الليكود او نتنياهو، بل وفقا للاستطلاعات لن تتمكن المعارضة الحالية من كسب أغلبية في الكنيست في الانتخابات القادمة من دون انتقال الحرديم إلى دعم المعارضة الحالية، إذ يحتاج اي ائتلاف الى 61 نائبا صهيونيا فما فوق.

الحوار بين لبيد ودرعي هو أبعد من مسألة إفشال الائتلاف (14/8) في تمرير مقترحات قانون تراجع عنها بعد ان فقد الاغلبية في التصويت ولاول مرة منذ الحرب. انه بداية تعاون مدعوم أمريكيا وبقوة، ويبدو أن إدارة بايدن عادت لتراهن على حزب يش عتيد (لبيد) بعد التراجع الكبير في شعبية حزب غانتس.

أولوية بايدن وإدارته هي ضمان إبرام الصفقة ومن خلالها تبريد معظم الجبهات المستعرة. ولم يكن من قبيل الصدفة ان تهاجم ادارة بايدن الوزير سموتريتش وتصريحاته بشأن تجويع الغزيين، ومن ثم ادانة حادة لاقتحام بن غفير للمسجد الأقصى. يضاف اليه التسريبات بامكانية فرض اجراءات عقابية على وزيري الصهيونية الدينية والقوة اليهودية.

في المقابل فإن الصراع تامكشوف بين تياري الصهيونية الدينية والمتدينين الحرديم دفع الى حالة توتر داخل حزب الليكود وتتسع حلقة الاصوات الداعية الى التخلص من الشراكة مع بن غفير وسموتريتش، في حال كانت بدائل. درعي الذي استقال من "المطبخ الأمني المصغر" بعد استقالة غانتس آيزنكوت، معني بحكومة وحدة قومية مع المعارضة، والتقارب مع لبيد، فيه مؤشرات لمسعى من هذا القبيل بأن يلتزم لبيد بتوفير شبكة أمان برلمانية لنتنياهو في حال ابرام الصفقة على ان يقوم الاخير بدفع بن غفير وسموتريتش الى خارج الائتلاف وتجريدهما من القوة  الهائلة التي يتمتعان بها واحد في وزارة المالية ووزارة الأمن والاخر في وزارة الامن القومي، وهو ما شأنه ان يكون مغريا لنتنياهو لان شعبيته ستتسع ويضمن استدامة حكمه سنة او اكثر للامام.

بدورها، يبدو ان ادارة بايدن توصلت الى قناعة بحكومة وحدة قومية من دون بن غفير وسموتريتش، هي البديل الوحيد الممكن للحكومة الحالية والتي من الممكن أن تتماشى مع الاولويات الامريكية بصدد غزة وبصدد المنطقة. ثم ان هذه الصيغة من شأنها أن تناسب طموحات نتنياهو، وهو المستفيد من التوتر داخل الائتلاف بين الحرديم والصهيونية الدينية والتي تقلل من وزن الأخيرين.

أمنيا، ووفقا للصلاحيات الموسعة نسبيا والتي منحها نتنياهو لاعضاء الوفد الأمني لمفاوضات الصفقة برئاسة رئيس الموساد، فقد أكد اعضاء الوفد بأنه بإمكانهم احراز تقدم. 

كما ان تصريحات قائد الاركان الاخيرة 14/8 من منطقة محور فيلادلفيا تشير الى تقارب وجهات النظر وتكامل الأدوار بين المستويين السياسي والأمني، بعد ان اكد ان الجيش يوفر للحكومة المرونة في اتخاذ أي قرار ترتئيه ليقوم الجيش بتطبيقه ميدانيا، سواء أكان انسحابا من المحور ام انسحابا جزئيا ام العودة للسيطرة متى اقتضى الأمر، وفي معظم الحالات القدرة على منع تشغيل أية أنفاق بين سيناء وغزة وفقا له. هذه الصيغة من الجيش هي التفافية ايضا على الصراع الشخصي بين رئيس الوزراء ووزير الامن.

تحظى اسرائيل بأحدث ترسانة امريكية وبغطاء حربي الأضخم في التاريخ، إلا أنها تخسر استراتيجيا. او كما تشير سيما شاين الباحثة في معهد درسات الامن القومي ورئيسة شعبة الأبحاث في الموساد سابقا، بأن الانطباع من الإسناد الحربي الامريكي والغربي لاسرائيل هو رسالة بأن اسرائيل غير قادرة ذاتيا على المواجهة، بل "لم تنتصر حتى على حماس" ولهذه دلالات استراتيجية توجه إيران مستقبلا بأخذ هذا المعطى في معادلات الردع. كما ويدعم موقفها ألوف بن محرر هارتس الذي يشير الى اخفاق اسرائيل الاستراتيجي في عدم تتبع المتغيرات في السياسة الإيرانية وقرار الاخيرة بالرد مباشرة على الاستفزازات الاسرائيلية في شهر نيسان/أبريل ودونما اللجوء الى حلفائها في المنطقة او عدم الرد. كما ويربط الكاتب بين قرار الولايات المتحدة تزويد إسرائيل بترسانة عظمى من أحداث ما تملك وبمقدار 20 بليون دولار، وفي المقابل فإن رسالة بايدن الى نتنياهو وفقا للكاتب تقول "أنقذ حيفا وتل أبيب من الخراب، وتتلقى بالمقابل عددا من المخطوفين ورزمة مساعدات لإعادة ترميم الجيش، وفي المقابل عليك الانسحاب من غزة واطلاق سراح قيادات الاسرى الفلسطينيين وتتيح للسنوار ان يقول بانه انتصر".

وفقا لهذه التقديرات فإن نتنياهو يستفيد سياسيا من أقصى درجات التوتر والقلق على الجبهة الشمالية واقليميا، لكن على ان لا تنزلق إلى حرب شاملة يتحفظ بشأنها عسكريا واستراتيجيا واقتصاديا واجتماعيا ثم انها لن تحظى بإجماع اسرائيلي لكونها ما كانت ستحصل لو أبرمت الصفقة من قبل. كما ان التواجد العسكري الامريكي غير المسبوق لـ"حماية اسرائيل"، مصحوب بضغوطات مكثفة للغاية على حكومة نتنياهو من اجل ابرام الصفقة، ومع دخول المتغير اللبناني والإيراني بعد عمليتي الاغتيال في الضاحية وطهران أصبحت الصفقة فعليا التي تريدها ادارة بايدن اوسع من حدود تبادل الأسرى ووقف اطلاق النار وكل المنصوص عليه في الاطار، بل باتت مقايضة كبرى استراتيجية اي عدم الرد من حزب الله وايران او تخفيف حدة الرد، مقابل التزام إسرائيل بالصفقة، وهو ما اشار اليه غداة عمليتي الاغتيال استاذ القانون رائف زريق بأن اضطرار اسرائيل الى ابرام الصفقة بسبب هذه المتغيرات هو انجاز استراتيجي قد يفوق مفعول الرد العسكري بحد ذاته. في حال عوّق نتنياهو الصفقة ستكون احتمالية حرب شاملة على الجبهة الشمالية واردة اكثر من اي وقت مضى وحتى لو لا زالت مستبعدة.

 

للخلاصة:

امكانية انجاز الصفقة كبيرة وفي حال لم يتم تعويقها من قبل نتنياهو فمن المتوقع ان تخرج الى حيز التنفيذ قريبا. 

المتغيرات في الساحة السياسية الحزبية الاسرائيلية جدية، وقد تكون الارضية لحسم القرار لصالح الصفقة.

دخول المتغير الإقليمي بقوة واحتمالية الرد من حزب الله ومن إيران، واحتمالية التراجع سواء كليا او عن حدته في حال إبرام صفقة، يجعل احتمالية الصفقة اكبر.

كما في السياسة وحصريا في اسرائيل وفي ظل حكومة نتنياهو فلا شيء يمكن اعتباره مفروغا منه ما لم ينجز على أرض الواقع.

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر