مختص في المقدسات والآثار يطلق حملة لإغاثة ما تبقى من مقدسات في أراضي48

أطلق الباحث المختص في الآثار والمقدسات عبد الرازق متاني حملة تحت عنوان "أغيثوا ما تبقى من مقدساتنا في الداخل الفلسطيني" قبل نحو 3 أسابيع لحماية المقدسات والآثار الفلسطينية التي تتعرض للاعتداء والتنكيل والإهمال في أراضي48.
أغيثوا المقدسات..
ويقول متاني في حديثٍ خاص مع الجرمق إن حملة "أغيثوا ما تبقى من مقدساتنا في الداخل الفلسطيني" بمثابة صرخة ونداء لكافة الأطر والجهات والناس بشكل عام من أجل الحفاظ على ما تبقى من المقدسات قبل أن تصبح ركام وآثار.
ويتابع، "بعد زيارتي الأخيرة للأماكن الأثرية والمقدسة في الداخل الفلسطيني وجدت أن العديد من المساجد والأماكن الأثرية وضعها سيء جدًا.. إسرائيل شنت حملة لتدمير القرى العربية المهجرة عام 1948.. تبقى القليل جدًا من الآثار والمقدسات بالنسبة لما كان موجود قبل النكبة".
ويوضح متاني أن السلطات الإسرائيلية منعت ترميم معظم الأماكن المقدسة، وأغلقت بعضها، وبالتالي لا يوجد إمكانية لترميمها والحفاظ عليها، مضيفًا، "يوجد أيضًا اعتداءات ممنهجة من عصابات تقوم بحفريات في أساسيات المساجد ويحاولون تدميرها.. الادعاء القائم أن هذه الحفريات للبحث عن الذهب.. لكن حقيقة هدفهم انتهاك المساجد والمقامات".
ويشير متاني إلى أنه توجه في عديد من المرات عبر مؤسسة ميزان لحقوق الإنسان لبحث قضايا الحفريات التي تُجرى تحت المقدسات، ويتابع، "زرت الكثير من هذه المساجد والمقامات الوضع يزداد سوء.. يوجد انهيار في العديد من المساجد.. منها مسجد معاذ بن جبل ومسجد الزيداني".
ويردف، "هذه الحملة جاءت للحفاظ على ما تبقى من مقدسات ولتسليط الضوء على ما يجري من انتهاكات مباشر لها وللمطالبة بالحفاظ عليها.. إذا لم نتحرك سيتم تهويد هذه الأماكن أكثر وأكثر.. يوجد انتهاك للقبور أيضًا".
يؤكد المختص في الآثار والمقدسات عبد الرازق متاني على أن الحملة التي أطلقها منذ أسابيع قليلة هي حملة عالمية، وأن المقدسات والآثار في فلسطين ليست فلسطينية فقط، إنما هي إرث إسلامي عالمي عربي.
ويشدد متاني على أهمية أن يتحرك كل فلسطيني وعربي وإنسان بكل ما يستطيع تقديمه من أجل إغاثة ما تبقى من أماكن مقدسة والحفاظ عليها.
مسجد الزيداني..
ويوضح متاني للجرمق أن مسجد الزيداني الذي يقع في مدينة طبريا من أكثر المقدسات الفلسطينية التي تتعرض لخطر الانهيار في أي لحظة نتيجة الإهمال من أعوام طويلة.
ويقول المختص في المقدسات والآثار إن وضع المسجد سيء جدًا، لا سيما بعد أن أغلقته السلطات الإسرائيلية عام 1948 ومنعت ترميمه أو أداء الصلاة فيه.
ويضيف، "منذ عام 1948 تعرض المسجد لعدة اعتداءات.. وبفعل الهزات الأرضية تأثرت المسجد وجدرانه مليئة بالشقوق الطويلة.. العام الماضي ضربت أحد الهزات الأرضية في طبريا المسجد وبفعل الهزة يوجد الكثير من الشقوق التي تؤثر على المسجد وتشكل خطر أن يقع وينهار".
ويشير عبد الرازق متاني إلى أن مسجد الزيادني أو المسجد الكبير في طبريا بني في أواخر القرن الـ18 على يد الظاهر عمر الزيداني، حيث أُقيم على أنقاض مسجد سابق كان يطلق عليه اسم مسجد الياسمين.
ويتابع، "المسجد تدمر في سنوات سابقة فأعاد شقيق الظاهر عمر ترميمه وأطلق عليه حينها اسم مسجد الزيداني أو المسجد الكبير".
ويقول متاني إن المسجد مبني على النمط العثماني الكلاسيكي، ويتكون من قبة واحدة كبيرة، وإن أمامه يوجد رواق مع 3 قبب، مشيرًا إلى أن المسجد كان محاط بدكاكين تشكل رواق لكن جميعها هدمت في النكبة عام 1948.
ويلفت متاني إلى أن الكثير من الأوقاف كانت على المسجد ومنها دكاكين وحمام الباشا، حيث كان يذهب ريع هذه الأوقاف لعمليات ترميم المسجد، مشيرًا إلى أن مسجد الزيداني لم يكن مجرد مسجد وأنه كان كتاب أيضًا.
ويوضح الباحث المختص في الآثار والمقدسات عبد الرازق متاني في حديثه مع الجرمق أن جل ما تبقى من المسجد بعد نكبة عام 1948 هو البناء الأساس والمئذنة والرواق.
وتقول الصحافية والناشطة الفلسطينية المهتمة بالتاريخ الفلسطيني مجدولين حسونة إن السلطات الإسرائيلية تتعمد إهمال وتهويد الأماكن المقدسة وكل مكان أثري يوحي بفلسطينية المكان وتاريخه المرتبط بفلسطين، مشيرةً إلى أن هذه السياسة تتبعها "إسرائيل" منذ احتلال فلسطين.
وتتابع في حديثٍ خاص مع الجرمق، "لا يقتصر الأمر على مسجد الزيداني الذي يثبت وجوده حق الفلسطينيين بالأرض.. إذ قام ظاهر العمر الزيداني عام 1748 ببنائه ولو عدنا قليلًا لتلك المرحلة التاريخية لوجدنا أن ظاهر العمر أول حاكم فعلي لفلسطين فكر بالاستقلال عن الدولة العثمانية وقرر إقامة دولة فلسطينية والوقوف مع الفلاحين ضد جشع من يجنون الضرائب ويضيقون على الناس.. وهذا ما هو مؤرخ فعليا ويدل على وجود دولة فلسطينية قبل احتلال فلسطين".
وتضيف، "فهناك العديد من المساجد في أراضي48 حولها الاحتلال الإسرائيلي إلى بارات وخمارات ومطاعم كما مسجد مدينة قيسارية المقام على شاطئ المدينة وهو الآن مطعم إسرائيلي يبيع الخمور وتقام فيه الحفلات رغم وجود المئذنة التي تدل على قدسية المكان، ومسجد صرفند الذي هدمه الاحتلال، ومسجد قرية حطين المهمل وغيرها الكثير".
ومن خلال زيارتها لمسجد الزيداني تشير حسونة إلى أن المسجد مهجور، وتتابع، "الاحتلال يخشى من ترميم هذه الأماكن خوفًا من ارتياد المسلمين لها أولًا وخوفًا من إقبال السياح عليها و تساؤلهم عن تاريخ المكان".
وعن الهيئة التي عليها المسجد تصفه حسونة قائلةً: "المسجد مكون من طابقين، الطبقة الأولى أرضية، والثانية فوق سطح الأرض.. في مدخل المسجد هناك لافتة رخامية تشير إلى بناء هذا المسجد.. الطراز الخارجي لبناء المسجد يذكرنا بمسجد أيا صوفيا في اسطنبول في حين ـن المدخل يذكرنا بطراز الفن المعماري المملوكي.. له شكل معماري مميز.. له ثلاثة قبب صغيرة.. وحيطانه ذات شكل مثمن، بالإضافة إلى المئذنة الثمانية الشكل الشامخة التي تثبت مكانته.. كل هذه الأوصاف التي تدل على عروبة المكان يحاول الاحتلال طمسها".
وتلفت الناشطة المهتمة بالتاريخ الفلسطيني مجدولين حسونة إلى وجود مسجد آخرى بناه الظاهر عمر وهو مسجد البحر، والسرايا والقلعة والعديد من المعالم الأثرية التي طمستها "إسرائيل" في طبريا.
كيف يحافظ الفلسطيني على إرثه التاريخي؟
وتقول حسونة في حديثها مع الجرمق إن الفلسطينيين لا يستطيعون الوصول إلى كل مكان من تلك الأماكن بسبب وجود "إسرائيل"، مضفةً، "مع ذلك أشجع زيارتها بكل الطرق الممكنة والمتاحة وتعريف أولادنا على تاريخنا وأن تكون الزيارة بغرض المعرفة لا بغرض السياحة فقط".
وتردف، "كل هذه الأماكن شاهدة على وجود دولة فلسطينية من النهر إلى البحر، وأن الاحتلال يحاول تغيير معالمها كما يفعل في العديد من القرى عن طريق سياسة الاحتلال الأخضر بزراعته شجر السرو وتشجيريه للقرى من أجل طمس معالمها وهي سياسة قائمة من قبل عام 1948 وصرف الاحتلال عليها ملايين الدولارات، أولًا لطمس معالم القرى المهجرة وثانيًا لإعطاء شعور لليهود الوافدين أن هذا المكان يشبه الأماكن التي جاؤوا منها.. حيث أن فلسطين في مخيلة اليهود كانت صحراء، وكانوا يخشون من القدوم إليها، فكانت هذه السياسة من أجل تشجيع اليهود على الهجرة إلى فلسطين.. وبالطبع تكثيف الزيارات إليها وتنظيم الرحلات التثقيفية والمسارات ما هي إلا نوع من أنواع النضال".