عادت فلسطين لتكون أم القضايا

يبدو أن الإلغاء العربي لقمّة عمّان الرباعية بين الرئيس المصري وملك الأردن والرئيس الفلسطيني مع الرئيس الأمريكي وعشية انعقادها في 19/10/2023، هو خطوة متقدمة في الموقف العربي، وفي قراءة الدور الامريكي وتحدّيه.
سعى المتحدث باسم البيت الأبيض للشؤون الأمن القومي جون كوربي الى التقليل من وقع الإلغاء العربي وعزاه إلى إعلان الرئاسة الفلسطينية الحداد لثلاثة أيام في أعقاب مجزرة المستشفى الاهلي المعمداني الرهيبة في غزة، وبأن بايدن سوف يتحدث هاتفيا مع كل من الرئيس عباس والملك عبد الله.
كان لافتا أن عنوان مظاهرتي الغضب أمام السفارة الامريكية في كل من بيروت وعمان، بأن الجماهير العربية تحمّل الولايات المتحدة كامل المسؤولية عن العدوان على غزة وتعتبرها شريكا فعليا سياسيا وعسكريا في العدوان الذي قد يشعل المنطقة بمجملها في حرب شاملة تدميرية.
توفرت فرصة نادرة لالتقاء الغضب الشعبي العربي مع مواقف الانظمة العربية التي قررت إفشال أهداف الحرب العدوانية وحصريا تصفية قضية فلسطين وخلق قضية لاجئين فلسطينيين جديدة بعد تفريغ قطاع غزة من سكانه، وتصميما على منع التهجير والترحيل وتواصل العدوان الرهيب.
تراجعت ادارة بايدن عن عدد من تصريحاتها ومساعيها في اخلاء اهالي غزة الى سيناء بعد الموقف المصري الحازم والصارم في منع ذلك، وفي واصطدامها بالموقف الأردني والسعودي والفلسطيني الرافض لأي اقتلاع للفلسطينيين. كما وبدأت ادارة بايدن بتأكيد أنها على تواصل مع المصريين لإدخال مساعدات انسانية الى قطاع غزة، دون اي ممر لترحيل الفلسطينيين منه قسرا.
بات التصدع في الموقف الاوروبي الذي أعلن انسياقه التام مع الموقف الاسرائيلي والامريكي والمعادي للفلسطينيين، وتتسع الهوّة بين الموقفين.
فظاعة مجزرة المستشفى المعمداني، غيرت الصورة رغم ان الاعلام الغربي الرئيسي لا زال يسوق العدوان الاسرائيلي بأنه حرب دفاعية، وبات واضحا انها ليست حتى مجرد انتقامية على عملية طوفان الاقصى يوم 7/10/23 وإنما باتت الأهداف الأمريكية الصنع والاسرائيلية التطبيق تسعى إلى فرض التطهير العرقي في قطاع غزة والى تحويل المنطقة إلى مقبرة لأهلها ومعظمهم من لاجئي1948.
مشاركة وزير الخارجية بلينكن في اجتماع حكومة الحرب الاسرائيلية وكذا لقاء بادين المزمع معها هو مؤشر الى مدى تورط الولايات المتحدة في هذه الحرب وكما عبرت صحيفة هآرتس عنه "لإنقاذ اسرائيل من اعدائها ولإنقاذ إسرائيل من نفسها" في اشارة الى حكومة نتنياهو التي حطمت قدرات إسرائيل ومصالح الولايات المتحدة.
التدخل الأمريكي العسكري المباشر سواء في اساطيلها الحربية أم في تهديداتها لدول المنطقة أم في انزال 2000 جندي من المارينز و الإغداق على إسرائيل بالعتاد الحربي الفتاك، الى جانب الموقف الأمريكي الثابت لصالح إسرائيل، أيضا استشعار لضعف اسرائيل وضمور أثرها اقليميا وانحسار منظومة الردع وانهيار عقيدة عسكرية بكاملها، وفيها أيضا استشعار لتراجع الاثر الامريكي في المنطقة والذي تسعى لاستعادته بوسائل عسكرية، لدرجة باتت القيادة الامريكية السياسية الامنية العليا هي صاحبة القرار الاسرائيلي نفسه، وما ادخال بني غانتس آيزنكوت وساعر إلى الكابينيت الا لخدمة النفوذ الأمريكي المباشر داخل حكومة نتنياهو.
اكتشفت الولايات المتحدة ان حكومة نتنياهو قد وضعت مصالحها الاستراتيجية الكونية في المنطقة في حالة خطر وتراجع مما يهدد مشاريعها العالمية وخاصة النفوذ والتجارة العالمية في المنطقة وحصريا المشروع مع الهند واسرائيل واوروبا والذي أرادت من البلدان الخليجية العربية أن تشكل حلقة جوهرية فيه، وقد استثمرت الكثير في مساعي تطبيع علاقاتها مع اسرائيل، والتي تبدو متعثرة أكثر من اية فترة سابقة.
مجزرة المستشفى الاهلي المعمداني وأعمال الإبادة تجاه الفلسطينيين شكلت بداية ضربة ذاتية للمصالح الامريكية التي باتت متورطة في الحرب وجرائمها بشكل مباشر، وكذا من عولت عليهم ادارة بايدن لقيادة الحكومة بعد الحرب (غانتس) ليكونوا عنوانا مقبولا فلسطينا وعربيا للتفاهم مع الفلسطينيين.
مقابل ما يحدث من ويلات للفلسطينيين فإن بداية هروب مدوية من سفينة نتنياهو الآيلة للغرق قد بدأت، وما اعلان قادة الشاباك والجيش بتحملهم المسؤولية عن اخفاق اسرائيل الشامل في طوفان الاقصى، الا بداية تضييق الخناق على نتنياهو الذي تتسع يوما بعد يوم المطالبات بتنحيه والى عدم توريطه لإسرائيل أكثر في مساعيه للهروب من ملفاته القضائية ودخوله السجن.
بعد انقشاع غبار العدوان ستجد اسرائيل نفسها في أعمق ازمة ويبدو ايضا ان ادارة بايدن ستكون في اسوأ وضع لها في العالم العربي، وستتضح فلسطين محليا واقليميا وعالميا وحتى إسرائيليا بأنها تتصدر كل الاولويات وهي ام القضايا.