"خطة غالنت" ومستقبل فلسطين

تقديم:
أعلن الوزير غالنت عن خطة حكومة الحرب الإسرائيلية على غزة، وفي صلبها، الاجتياح البري والبقاء طويل الأمد وإقامة سلطة مدنية برقابة دولية. وسبق أن صرح أيضًا، أن مساحة غزة سوف تتقلص باقتطاع منطقة امنية عازلة.
بينما أعلن بلينكن في احاطته للصحافة يوم 20 أكتوبر بأن ليس فقط من حق إسرائيل الدفاع عن مواطنيها، بل من واجبها" في اشارة منه الى استهداف غزة مضيفا بأن “المدنيون سوف يعانون لا محالة في الحروب" اسرائيل واجبها الدفاع عن مواطنيها.
تحولت الجبهة الشمالية مع لبنان من مرحلة التسخين الى حالة من الاشتباك الحربي اليومي الخطر والذي قد يتحول الى حرب شاملة ومدمرة. وهو بخلاف تقديرات الطرفين اللذان قدما مؤشرات بأن أي منهما غير معني بتجاوز مرحلة ما دون الحرب لكن الأمور كما تبدو تقترب من الحد الفاصل بين المستويين مما قد يؤثرا على الأولويات..
في وقت بدأت تعلو فيه اصوات تحليلية اسرائيلية جدية تدعو إلى ضربة استباقية إسرائيلية في الجبهة الشمالية، لأنه بعد الانتهاء من المخطط بشأن غزة لا يمكن التسليم بوجود قوة على الجبهة الشمالية تملك عشرة اضعاف قوة حماس وفقا لهذه التقديرات، بالمقابل، طرحت اصوات اخرى ضرورة الضغط الدولي لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار 1701.
تحليل:
من الملاحظ أن حكومة نتنياهو لم تعلن حالة الحرب وهي تملك هدفا واضحا بعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر. بل كان الانتقام والذهول والشعور بالصدمة والإخفاق هو سيد الموقف. جاء المخطط الاول أمريكيا وهو التغيير السكاني لغزة وفرض الترحيل القسري الى سيناء ومنها الى دول اخرى كلاجئين، الأمر الذي تعثر حاليا بسبب الموقف الحازم، الفلسطيني والمصري والأردني. بينما جاء تشكيل حكومة الحرب بدخول حزب المعسكر الرسمي برئاسة غانتس وتحييد معظم وزراء الليكود والصهيونية الدينية والحريديم، ليشكل بداية بلورة لمخطط إسرائيلي بعيد المدى، قائم على أسس، تقليص مساحة غزة فلسطينيا ودفع السكان جنوبا وزرع الدمار الشامل والقضاء على حركة حماس وسلطتها وضمان استدامة ذلك من خلال منطقة عازلة وسلطة مدنية ترعى شؤون الغزيين وبرعاية دولية. وهو نموذج حاولت اسرائيل تطبيقه على لبنان قبل أربعة عقود وأخفقت.
الحكومة الإسرائيلية مدعومة بالإدارة الامريكية والاتحاد الاوروبي حتى الآن، تسعى الى تقويض حماس والقضاء عليها وحتى إبادتها وفقا لتصريحاتها، لكنها تسعى الى استبعاد اي حضور لمنظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية لتشكل أساسا لمطلب الدولة الفلسطينية. جدير بالتأكيد هنا، الرفض المطلق من قبل الرئاسة الفلسطينية سلطةً ومنظمة التحرير لاية عودة للحكم في غزة على يد الاحتلال الاسرائيلي، على الرغم من ان م ت ف والسلطة الفلسطينية ليستا عاملا خارجيا بالنسبة لغزة ،لا مبدئيا ولا عمليا.
الملاحظ أيضا ، أن الصدمة العسكرية والأمنية والسيبرانية التي تعرضت لها إسرائيل ، لم تترجم بعد الى بداية تغيير جوهري في المقاربة الخاصة باستمرار الاحتلال الطويل ، فلم تطرح آية قوة سياسية في إسرائيل أي مخرج سياسي أو حل عادل. بل حتى الناطق باسم البيت الأبيض لشؤون الامن القومي جون كوربي صرّح علانية بأن الحل السياسي وحل الدولتين ليس الوقت مناسبا للحديث عنه، وشدد على الدعم الامريكي المطلق لإسرائيل وضرورة ابادة حماس.
ربط الرئيس بايدن أمام الكونغرس مطلب تخصيص ميزانيات طوارئ هائلة لدعم اسرائيل في حربها بضرورة دعم أوكرانيا، وبالإشارة الى مشروع الممر التجاري الهندي الخليجي العربي والإسرائيلي والاوروبي. فيه تنويه الى مدى اهتمام الولايات المتحدة استراتيجيا بحماية مصالحها وأولوياتها دوليا، والتي تضررت نتيجة للضعف الاسرائيلي وضمور وزنها الاقليمي وقوة ردعها. وهو مؤشر الى المتغيرات في النظام العالمي وتضرر الدور الأمريكي المؤثر وسعيه المتجدد للاستعاضة عنه بالتواجد العسكري المباشر. وبات من الواضح ان اي اخفاق اسرائيلي وفقا للأهداف التي حددتها حكومة الحرب بمشاركة بلينكين وبايدن في جلستين منفردتين سوف تكون لها إسقاطات على النفوذ الأمريكي وأولويات هذه الدولة العظمى.
من الاهمية التنبيه الى ان اية تصريحات بشأن أهداف الحرب ليس بالضرورة ان تكون هي الأهداف الفعلية ولا الاولويات، وحتى "خطة غالنت" تأتي ضمن تكتيكات "الحرب الهجينة" التي تسعى الى انهيار العدو قبل ان تبدأ الحرب او انهياره قبل ان تبدأ المرحلة القادمة من الحرب. ينبغي اخذ هذه التصريحات ايضا ضمن الحرب النفسية، في حين ان ما يعزز التوجه هو ما يحدث على ارض قطاع غزة والغارات الهادفة إلى دفع السكان جنوبا وتحيّن فرصة التهجير اذا سنحت، واعادة السيطرة الإسرائيلية على شمال القطاع حيث كانت المستوطنات الاسرائيلية التي تم اخلاؤها في العام 2005 ضمن خطة فك الانفصال عن غزة وشمال الضفة الغربية، وللتنويه ، فقد جرى أوائل العام الجاري في الكنيست الاسرائيلي إلغاء قانون الانفصال سعيا لإعادة استيطان شمال الضفة الغربية ودعت اصوات الى اعادة استيطان شمال قطاع غزة.
العدوان على غزة يترافق مع تصاعد عدوان خطير على الضفة الغربية تتقاسم فيه الأدوار ، الجيش والحكومة وعصابات "فتيان التلال" الارهابية، والحملة الترهيبية على فلسطينيي48 المواطنين في اسرائيل.
يتصاعد الاحتجاج الشعبي عالميا على العدوان على غزة واستهداف سكانها والكارثة الانسانية التي يتحمل مسؤوليتها بشكل كامل حكومة اسرائيل والادارة الامريكية ومعظم الدول الأوروبية الكبرى، وبعد ان بدأ يتضح بان الهدف الاسرائيلي أبعد من روح الانتقام على عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر والاستهداف المأساوي للمدنيين، وباتت غزة امام اعمال ابادة وجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، ليلتقي الاحتجاج العالمي مع الغضب الشعبي العربي ومع ثبات الموقف العربي الرسمي. لتبدأ حالة من التصدع الأولى في المنظومة الاعلامية الغربية وصناعات الراي العام التي أجرمت بحق الفلسطينيين وبررت هذه الجرائم والتلفيقات لتتراجع عن بعضها لاحقا وبدأت تلتفت في مساحات انحيازها لصالح اسرائيل الى الكارثة الفلسطينية الانسانية.
خلاصة:
• سعي اسرائيل المدعوم أمريكيا لإعادة هندسة الشعب الفلسطيني ، ثبت بالملموس أنها مهمة غير ممكنة. بل سيبقى الشعب الفلسطيني وتبقى قضية فلسطين متصدرة لكل الأجندات الى ان تجد حلها العادل.
• لا يمكن رؤية نهايات للحالة الراهنة، فليس كل ما يخطط له اسرائيليا وامريكيا معناه النجاح من وجهة نظر مخططيه، بل انها تتعثر، وحتى الرئيس بايدن اعترف بالإخفاق في اهداف بلاده في المنطقة بعد تفجيرات أيلول سبتمبر 2001. لكن من المؤكد أنها كارثية من حيث الثمن الفلسطيني.
• استراتيجيا، بدأت حالة تلمّس لموقف عربي موحد، يجد تعبيره في مؤتمر القاهرة العربي-الدولي الذي دعت إليه مصر، والتي تشكل اليوم القوة الإقليمية الأكثر تحديا للمشروع الأمريكي الإسرائيلي.
• معالم تراجع النفوذ الاسرائيلي والامريكي إقليميا، والمتغيرات في النظام العالمي قد تكون عوامل حاسمة استراتيجياً.
• قضية الاسرى وصفقات التبادل الانساني اولا باتت تتصدر جدول الاعمال الدولي والاسرائيلي رغم محاولة الأخير الإقلال منها وإسكات عائلات الاسرى.