الطبيب الفلسطيني واقتتال المنظومات الاسرائيلية


  • الثلاثاء 2 يوليو ,2024
الطبيب الفلسطيني واقتتال المنظومات الاسرائيلية
نتنياهو&رونين بار

حرب الروايات الإسرائيلية حول إطلاق سراح مدير مستشفى الشفاء د. محمد أبو سلمية، هي دليل مصغر للصراع الذي سيحصل في حال تم الإعلان عن لجنة تحقيق رسمية حول إخفاق السابع من أكتوبر وكل ما تلاه من إخفاقات في إدارة الحرب.

من اللافت أن الصراع لم ينحصر داخل المستوى السياسي، ولا بين المستوى السياسي الحاكم والمستوى الأمني، بل تحولت الأذرع الأمنية إلى حلبة صراع فيما بينها.

يحدث اصطفاف لافت قد يدفع إلى تفكك المنظومة الأمنية كمنظومة متكاملة وذات رتابة ومرجعيات متعارف عليها. لقد بات واضحا أن الأجهزة الأمنية الخاضعة لمسؤولية وزير الأمن القومي بن غفير أي الشرطة ومصلحة السجون والحرس القومي، والتي نجح في تغيير قياداتها وهويتها الداخلية، تقف في خط الصدام مع المنظومات الأمنية الخاضعة لمسؤولية وزير الأمن، الجيش، وجهاز الأمن العام الشاباك الخاضع رسميا لمسؤولية رئيس الوزراء ويدار ذاتيا ضمن القانون الإسرائيلي وقرارات الحكومة، إضافة إلى مجلس الأمن القومي الذي يعينه رئيس الوزراء.

قامت مصلحة السجون بنشر شريط توثيقي لإخراج الطبيب أبو سلمية من الزنزانة ومن السجن لتبين فيه أن ادعاء الشاباك بوجود حاجة إلى أماكن شاغرة في السجون لاعتقالات متوقعة هو ادعاء كاذب وقد أصرت مصلحة السجون على أنه لا توجد مشكلة أمكنة في السجون.

في إصرارها هذا وفي شريط الفيديو لفتت مصلحة السجون الأنظار دون أن تقصد أو عن قصد لأغراض ترضي الوزير، إلى ظروف اعتقال الأسرى، وكيف أنهم مقيدي الأيدي والأرجل ومحنيي الظهر على أرضية الزنزانة، وإلى كون معظم الأبراش أي الاسرّة الحديدية المثبتة بالجدران، هي من دون أي فراش أو غطاء، وأن الزنزانة خالية من أية لوازم للأسرى من ملابس وماء ومواد غذائية، يضاف إلى الخط الأصفر، الذي يمنع أي أسير من تجاوزه داخل الزنزانة وإلا عوقب هو وزملائه بالضرب المبرح بالهراوات وقد يكون حتى التسبب بإعاقة وحتى الموت.

وحين كشف زملاء الطبيب عن حالتهم الصحية وهزالة الأجساد التي واجهت تجويعا يصل حافة الموت وقد فقدوا جلّ وزنهم، والأرجل والتي نتيجة للقيود البلاستيكية الثابتة والحابسة للدورة الدموية تبدو انها بحاجة الى البتر او الاعاقة الدائمة، والى الامراض الجلدية الرهيبة التي يصعب النظر إلى تجلياتها فكم بالحري من يعيشها ويعاني منها، ناهيك عن الحالة النفسية، فيبدو أن مصلحة السجون كما حكومة إسرائيل ستخضعان للمساءلة القانونية الدولية وهي شهادات لا يمكن التهرب منها. هذه النتائج من تلك الشروط الاعتقالية.

وفقا لرواية رئيس الشاباك التي رشحت إلى الإعلام فإنه قد حذر الكابنيت الأمني السياسي من أن ظروف الاعتقال سوف ترتد على إسرائيل وأمنها، وأن الأسرى الذين يتعرضون إلى أقسى أنواع التعذيب والإهانة سوف ينتقمون و"هناك من بينهم من بدا يخطط لعمليات انتقامية" وفقا لجهاز الاستخبارات.

نشرت مصلحة السجون في وسائل الإعلام نص الأمر العسكري بإطلاق سراح  أبو سلمية وعدد من الأسرى الذين وفقا لمعلومات الشاباك اٌل خطرا من غيرهم. وهذا النشر يعتبر نادر الحصول، إلا أن منظومة السجون تسعى إلى تحرير نفسها من أية مسؤولية مقابل إلقاء هذه المسؤولية على الجيش والشاباك. هذا الموقف متساوق مع بن غفير ومواقفه. كما أنه دليل على مدى نجاح الوزير في إطباق نفوذه على إحدى أهم المنظومات الأمنية المسؤولة عن الأسرى الفلسطينيين.

الحملة على الجيش والشاباك والمطالبة بتنحي رئيسي الجهازين، هي حملة منهجية وآخذة بالتصاعد، وجاء رد فعل نتنياهو بتعيين هيئة تحقيق باتخاذ القرار بإطلاق سراح مدير الشفاء دون علم مسبق لرئيس الحكومة ووزير الأمن، ودون مصادقة المستوى السياسي، على الرغم من أن الصلاحيات القانونية في هذه الحالة هي للشاباك والجيش. الا ان الحملة التي يقودها كل من نتنياهو وسموتريتش وبن غفير تهدف الى منع قائد الأركان من اجراء تعيينات مستحقة في مواقع قيادية للجيش ضمن صلاحياته، بل الهدف هو تغيير جوهري في هوية الجيش وتحويله من "جيش الشعب" الى جيش بروح الصهيونية الدينية ليكون جاهزا في اعطاء الاولوية لتطبيق سياسة الحكومة وليس للقانون، وهو جزء من الانقلاب القضائي الذي سبق الحرب ليعود حاليا وبكل قوة.

من تداعيات ورطة الحرب على غزة والصراع بين المنظومات والحملة ضد الجيش، فقد أكدت صحيفة يسرائيل هيوم ارتفاع نسبة الضباط في المستويات الوسطى والذين يطلبون إنهاء الخدمة في الجيش بنسبة نحو 600% لترتفع من 160 بالمعدل السنوي قبل الحرب الى 900 منذ بدء الحرب. في المقابل يقوم الجيش في الأول من تموز يوليو بتسريح 6700 جندي من قوات الاحتياط بعد تخفيض سن التسريح من الخدمة العسكري بعام، ليصرح وزير الحرب غالنت بأن مفتاح الحل لهذه الازمة في أيدي الأحزاب الحريدية وغانتس مشيرا إلى عدم وجود توافق بصدد تجنيد الحريديم على الرغم قرار المحكمة العليا الملزم لكنه فعليا قد عمق الصراعات، ويدعو غالنت إلى تجنيد فوري لـ 4700 جندي من الحرديم. في موازاة ذلك قد يدفع الوضع الحالي وفقدان الرتابة التنظيمية بين المنظومات الأمنية إلى استقالات في الاجهزة الامنية الاخرى، وحصريا الشرطة التي قد تشهد تفككا وفقا للاعلام الاسرائيلي بعد أن اعتمد بن غفير لنفسه صلاحيات للتدخل المباشر في عمل الشرطة الميداني.

في الخلاصة فإن الصراعات بين المستويين السياسي والأمني هي نتاج مباشر لاخفاقات الحرب على غزة والورطة التي تحولت إلى استراتيجية. كما أن الصراع المكشوف بين المنظومات الأمنية يكشف عمق هيمنة بن غفير على جهازي مصلحة السجون والشرطة. وفي حين أن قرار المنظومة الأمنية بما فيها الجيش والشاباك ومجلس الأمن القومي الإفراج عن أبو سلمية وزملائه دون إبلاغ المستوى السياسي ممثلا بنتنياهو وغالنت يندرج ضمن صلاحيات هذه المنظومات قانونيا، إلا أنه أيضا إثبات إضافي لعمق الفجوة وعدم الثقة بقدرة المستوى السياسي على اتخاذ القرارات الضرورية.

انكشاف حالة الأسرى وظروف السجون هو شأن فلسطيني وعربي وعالمي في توجيه الأنظار إلى الكارثة المحدقة في أوضاع الأسرى الذين يواجهون التجويع حتى الموت والتعذيب حتى الموت والإهانة حتى الموت.


 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر