هل بات نتنياهو عاجزا عن وقف الصفقة في غزة

شهدت المدن الاسرائيلية وحصريا تل أبيب مساء السبت 6 تموز يوليو، إحدى أكثر المظاهرات عددا وزخما سياسيا ووحدة في الخطاب. لدرجة أن الكلمات والشعارات حملت نتنياهو كامل المسؤولية الشخصية عن مصير ذويها المحتجزين في غزة، وفقا لتقدير إيهود أولمرت في مقابلة لقناة 12 العبرية (6/7/2024) فإن نتنياهو قد ينسف إمكانية الصفقة، لكن بعد خطابه أمام الكونغرس، واإلى حينه قد يلجأ إلى لعبة كسب الوقت. حذر المتظاهرون نتنياهو بأنه وفي حال أعاق الصفقة فلن يعود إلى الحكم، إذ ستبدأ خطوات من أنماط العصيان المدني تقوم على شل مرافق الحياة الحكومية والاقتصادية والتجارية وبشكل مستدام حتى إذعان الحكومة لمطلب الصفقة.
نتنياهو ليس في مأزق حكومي:
- لم يكترث نتنياهو لتهديدات بن غفير وسموتريتش بأنه سيجد نفسه وحيدا ومن دون ائتلاف في حال وافق على الصفقة أو أية مرحلة فيها، وهو اسلوب يميز نتنياهو منذ انسحاب غانتس آيزنكوت وحل كابنيت الحرب، حيث كان وفقا للتقديرات يستخدم وزن حليفيه المتطرفين، وزنا مضادا للمعسكر الرسمي وأثره في كابنيت الحرب. رفض نتنياهو اشراك الوزيرين من اقصى اليمين في المشاورات الامنية مؤكدا واعضاء الليكود بأن "المطبخ الامني" مغلق أمام معظم الوزراء.
- يواجه بن غفير نوعا من التمرد في "عوتسما يهوديت" مما يضعف من وزنه أمام نتنياهو. يأتي ذلك من أعضاء كنيست حاليين وسابقين من التيار الكهاني وحصريا بن أري، النائب السابق الذي يعتبر أن الوزير لا يعتبر من النخبة الأيديولوجية للحزب. في حين يصارع سموتريتش وفقا للاستطلاعات على بقائه السياسي. الافتراض بأن نتنياهو موجود في مأزق سياسي هو غير دقيق. نتنياهو يتحكم بمجريات الأمور بقدر ما يريد أن يتحكم. لا توجد معارضة حقيقية للصفقة. بن غفير وسموتريتش ليسا معارضة لنتنياهو وكل منهما يدرك إن لا بيتا سياسيا حاكما له سوى الائتلاف الحالي.
- يوجد غالبية في الراي العام الاسرائيلي تؤيد الصفقة توازيها غالبية في الحكومة والكنيست بذات الاتجاه. كما يوجد إجماع لدى الاذرع الامنية يدعمها بقوة ويرى بها فرصة قد لا تعود. في حين انشغلت التحليلات العسكرية والامنية الاستراتيجية في تبريد الاندفاع نحو حرب مفتوحة مع حزب الله، والتأكيد أن التهدئة في غزة ستؤدي الى تهدئة في هذه الجبهة التي لا يوجد أي طرف مباشر معني بتحولها إلى حرب مفتوحة.
- انتداب رئيس الموساد إلى الدوحة يرافقه مندوب نتنياهو الشخصي المقرب منه، هو ايضا مؤشر الى ازمة الثقة بين المؤسسة الامنية ونتنياهو، وهو أيضا تأكيد على النظرة الإيجابية للصفقة المقترحة بصيغتها الحالية. كما أن إقرار جولة من المحادثات هي مؤشر ايجابي.
- تتبلور رواية من نتنياهو وحكومته مفادها أن اجتياح رفح والسيطرة على محور فيلادلفيا/ صلاح الدين، وعمليات الاجتياح السريعة في شمال القطاع ووسطه وجنوبه، هي ما دفعت حماس الى التراجع وفقا لهذه الرواية. بينما ميدانيا فإن إعلان الجيش برئيس أركانه ووزير الأمن بأنه يقوم بحرب استنزاف ضد حماس، فقد تحول وجوده الاحتلالي في القطاع إلى حرب استنزاف ضده تنزل فيه خسائر تهدد كل انجازاته وفقا لرؤيته.
- تكاد تنعدم إمكانيات المناورة لدى نتنياهو إذا ما أراد نسف الصفقة، فمن ناحية فإن الصفقة سوف تعزز موقعه السياسي بينما رفضها سوف يضعفه ويهدد بقاء الحكومة. ثم إن صيغة الصفقة الحالية هي ما دفع له نتنياهو شخصيا، تتعاظم الضغوطات الأمريكية بهذا الصدد، ووفقا للإعلام الاسرائيلي فان إسرائيل تطالب مصر بدور فعال أكثر لضمان الصفقة. كما أن الضغط الشعبي قد يتسع بشكل غير مسبوق ويجعل قيام الحكومة بدورها صعبا إن لم يكن غير ممكن. ثم إن المناورة للتخلص من الصفقة ليست بالضرورة في مرحلتها الاولى فهي مكسب لنتنياهو بعودة عدد من المحتجزين خاصة النساء، وفيما يخص إطلاق سراح الاسرى الفلسطينيين فهي مسألة لا ينشغل بها الراي العام إن لم يتم تأليبه من قبل جهات معادية للصفقة. للتنويه فإن سموتريش وبن غفير تعايشا مع الصفقة السابقة قبل أشهر.
- تبقى امكانية مناورة لدى نتنياهو، وهي كسب الجولة الاولى من الصفقة ومن ثم تعويقها بعد ان يلقي خطابه في الكونغرس وبعد ان يستعيد من قوته السياسية بعودة محتجزين من غزة، وعندها قد يبادر هو لحل الكنيست والذهاب لانتخابات جديدة، يكون هدفه فيها هو منع المعارضة بشكلها الحالي أو بتشكلات تتبلور نحو إقامة تكتل يميني معارض لنتنياهو، من تشكيل ائتلاف حاكم، وذلك بافتراضه أن حصول الكتلة اليمينية على 51 عضوا في الكنيست سيحول دون تشكيل المعارضة غير المتجانسة ائتلافا حاكما لكونها لا تعتمد اغلبية يهودية وبات اعتمادها على أصوات النواب العرب غير شرعي في الذهنية الاسرائيلية السائدة. المخاطرة الكبرى من قبل نتنياهو في هذا المنحى، هي أن حزبي المتدينين الحرديم (شاس ويهدوت هتوراه) ينويان فك الشراكة التاريخية التلقائية مع الليكود واليمين.
الخلاصة:
• احتمالية الصفقة بصيغتها الحالية هي حقيقية ومن الصعوبة بمكان تعويقها اسرائيلياً، والظرف مهيّأ للتقدم.
• لا تزال الاحتمالات مفتوحة رغم تقلص مساحات المناورة لدى نتنياهو بما فيها امكانيات نسفها مع استبعاد ذلك، وتقف حركة الاحتجاج بالمرصاد لنتنياهو واحتمالات التصعيد نحو أشكال من العصيان المدني.
• اذا كان فعليا أن حكومة نتنياهو غير معنية بالحرب في الجبهة الشمالية فهذا يدفعها الى الاسراع بإبرام الصفقة في غزة، سعيا لتبريد الساحات.