من يبدأ حرباً متباينة الجبهات؟


  • الاثنين 5 أغسطس ,2024
من يبدأ حرباً متباينة الجبهات؟
حاملة الطائرات "لنكولن"

استراتيجيات مختلفة المحاور قد تؤدي إلى حرب شاملة متدحرجة، وقد توفر الأساس لاحتواء التصعيد.

 

بخلاف الجبهة الشمالية مع لبنان لا تتوفر لإسرائيل جبهات صراع حدودية، لا مع إيران ولا مع اليمن ولا العراق ولا غزة حيث لا شأن للحدود في الحرب عليها، فلا الحدود محور الحرب ولا الحدود ساحتها. الجبهة الشمالية التي قد تبدو حدودية لكن ومنذ تحولها إلى جبهة إسناد لغزة أو الانتقال إلى استراتيجية وحدة الساحات، انتقلت إلى تعريف الحرب المفتوحة حتى وإن كانت دون سقف الحرب الشاملة.

فما هي إذن استراتيجيات الأطراف:

1. غياب استراتيجية فلسطينية واحدة:

لا توجد استراتيجية فلسطينية واحدة موحدة،  لكن السائد هو وقف الحرب عن طريق صفقة التبادل ومنع فك مصير غزة عن مصير الضفة سعيا لدولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران67. بينما استراتيجية حماس هي وقف الحرب على غزة والابقاء جوهريا على حالة الحرب مع اسرائيل مفتوحة وتوسيعها إقليميا من خلال وحدة الساحات وطوق النار حول إسرائيل. في المقابل، تقوم استرتيجية السلطة الفلسطينية المعتمَدة على إقامة دولة فلسطينية من خلال النضال الشعبي والدبلوماسي والقانون الدولي وغير العسكري.

2. استراتيجية إيران الابقاء على الصبر الاستراتيجي ودمجه بمحور وحدة الساحات

استراتيجية إيران هي المضي في بناء قدراتها الاقتصادية والعسكرية وتعزيز نظامها والمشروع النووي بالشكل المعنية به، وترسيخ منظومة حلفائها إقليميا ومعظمهم تنظيمات غير دولانية أو شبه دولانية، كل ذلك لتكون بمنزلة دولة عظمى إقليمية غير مهدَّدة وذات نفوذ إقليمي ودولي. وضمن ذلك التعويض عن الضربة التي تلقتها حماس منذ إعلان إسرائيل الحرب وحتى اغتيال هنية في طهران وحتى الآن.

غاية إيران الحالية هي في الأساس الردع من خلال الرد على اغتيال هنية في عاصمتها وذلك لتعزيز استراتيجيتها الإقليمية وتعزيز موقعها؛ من المتوقع أن تكون ضربة إيرانية قوية محسوبة، لأن المواجهة ستكون مع إسرائيل ومع الجيش الأمريكي وربما جيوش أخرى أوروبية. وإذا كان السعي الإيراني هو الانتقام من اغتيال هنية واستباحة سيادتها فذلك في نهاية الأمر ممكن احتواؤه واستيعابه. إيران ليست معنية كما يبدو بالحرب، ومن المحتمل إذا كان القرار محصورا بها أن تلتزم كدولة بمبدأ الصبر الاستراتيجي الدفاعي في جوهره، والاستعاضة عن التوجه الهجومي المباشر بإلقائه على مسؤولية حلفائها في محور المقاومة والذين تمدهم بمقومات القدرات العسكرية الأساسية. لكنها قد تتورط في حرب كبيرة وهذا منوط باسرائيل أيضا.

3. استراتيجية حزب الله هي إعادة تصويب معادلة الردع بأدوات جديدة

غاية حزب الله الآنية هي استعادة وبناء معادلة الردع على أسس جديدة بعد استهداف إسرائيل للضاحية وتصفية  القائد العسكري فؤاد شكر، وضمان عدم إلحاق الدمار الشامل بلبنان. وعليه فإن الاحتمالية هي السعي إلى تسديد ضربة قوية لإسرائيل بمستوى تدفيع الثمن الرادع على الاستهداف المذكور. وكذلك لمنع إسرائيل من تحويل الغارة على الحديدة إلى معيار في التعامل مع لبنان بما يعني، تصعيد في "عقيدة الضاحية" من العام 2006 في زرع الدمار الشامل، وللتنويه فإن نتنياهو وكل القادة الاسرائيليين يلوحون بأن مصير بيروت سيكون كمصير غزة. هذه الاستراتيجية من طرف حزب الله من المحتمل أن تبقي الأمور دون سقف الحرب الشاملة، إذا توقفت عند استهداف مرافق استراتيجية دون المدنيين.

4. استراتيجية إسرائيل هي تفكيك وحدة الساحات وتسديد ضربة كبرى لقدرات إيران وبغطاء أمريكي.

الاستراتيجية الاسرائيلية هي في طبيعتها هجومية عدوانية تسعى إلى حرب استباقية إن استطاعت، وتعتبر أن حروبها الحالية وحصريا منذ السابع من أكتوبر 2023 تشكل خطرا وجوديا وفي حالة حرب وجودية، وتسعى إلى: تفكيك وحدة الساحات وفصل الرابط بين وقف النار في إطار صفقة مع غزة عن التعاطي مع الجبهة الشمالية؛ وإلى توجيه الضربات إلى كل جبهة على حدة باستهداف مقومات قوتها وتصفية قدراتها وقياداتها العسكرية والسياسية على السؤال، والسعي الى تسديد ضربة للمنشآت الاستراتيجية الإيرانية بكونها "رأس الأخطبوط"، إعداد جبهتها الداخلية للحرب؛ ويعني ذلك أرجاء البت في الصفقة اتباعا لمبدأ أن الضغط العسكري المكثف على حماس (على غزة) سيحسن شروط الصفقة؛ ضمان تفكيك القدرات العسكرية والسلطوية لحماس. اعتبار الحرب مع حزب الله هي الجبهة الأكثر جدية، والحرب الشاملة واقعة لا محالة فهل القرار هو التعجيل بها ام أرجائها الى ما بعد الصفقة ولو جزئيا والاستعداد الافضل لها لكونها ستقوم وفقا لتقديراتها باجتياح لبنان بريا، بعد الضربات الجوية ومن البحر، بينما الجبهة الداخلية في اسرائيل ستكون مستهدفة بكل جغرافيتها ناهيك عن المرافق الاستراتيجية في البر والبحر. اسرائيل معنية لو استطاعت بالقضاء على الاستراتيجية الايرانية القائمة على "الصبر الاستراتيجي"، وهي قائمة ايرانيا على استكمال إيران لبنيتها الاقتصادية والعسكرية والامن القومي بما يجعلها دولة  

هل تبدأ استراتيجية اسرائيل بتفكيك وحدة الجبهات من "رأس الأخطبوط" ام خطوة بخطوة ولأمد طويل لا يمكن ان ينحصر بالخيار العسكري. وهل تكون على استعداد لدفع ثمن التهدئة المستدامة إقليميا بقيام دولة فلسطينية؟ لا تبدو قوى اسرائيلية حاكمة او تصبو الى الحكم قادرة على دفع هذا الثمن او معنية بدفعه من توفير باب الأمن القومي طويل الامد

تفتقر اسرائيل الى اي افق سياسي، وهذه مسألة باتت في العقدين الاخيرين بنيوية اكثر منها سياسية حزبية فحسب، استراتيجية منع قيام دولة فلسطينية في الضفة والقطاع تجعلها تعتمد استراتيجيات "إدارة الصراع" و "المعركة بين الحروب" و"تقليص الصراع" وكذلك الاستراتيجية الأمريكية "التحالف الابراهيمي" المستند الى التطبيع وحرف محورية الصراعات الإقليمية عن فلسطين. لكن اسرائيل ذاتها قد تقبل بحل سياسي نتيجة مفاوضات وجهود دبلوماسية مع لبنان، ويعود ذلك الى توازنات القوى ومعادلة الردع والثمن نتيجة للحل العسكري.

وفي حال حسم القرار الاسرائيلي فلن يكون من المستبعد ألا تنتظر الردود، بل أن تقوم هي بحرب استباقية مكثفة.

للخلاصة:

- امكانيات تدحرج الأمور نحو حرب اقليمية شاملة تكون جبهتها المركزية بين اسرائيل وحزب الله، قائمة كما لم تكن يوما. الحالة القائمة على شفى حرب اقليمية والمؤسسة على القلق والترقب والتداعيات النفسية والعسكرية والاقتصادية، تحيط بمعظم الأطراف المذكورة، والتقدير انه لا يوجد طرف معني وقادر على خوض حرب اقليمية، سوى اسرائيل وفقط اذا ضمنت غطاء حربيا أمريكيا فعليا سواء أكان ذلك بقرار أمريكي مسبق ام بتوريط اسرائيلي مقصود للولايات المتحدة.

- اختلاف طبيعة الاستهدافات بين الأطراف قد تتيح لكل طرف القبول بما حقق والعودة الى معادلة الردع المتبادل.

 

. . .
رابط مختصر



مشاركة الخبر