نتنياهو من الأسد الصاعد إلى غزة هل من أفق لوقف الحرب؟

انتهت الحرب على ايران على الاقل في جولتها الحالية، جاء وقف اطلاق النار بقرار امريكي قبل ان يكون اسرائيليا او ايرانيا. اعلن الطرفان الانتصار سواء اسرائيل التي اعلنت تحقيق اهدافها “واكثر من ذلك بكثير” وانها ازالت على لسان نتنياهو “اكبر خطرين وجوديين”؛ وايران التي اكدت انها منعت اسرائيل من تحقيق اهدافها، بل ان صواريخها البالستية تغلبت على الدفاعات الجوية الاسرائيلية والامريكية، كما وقصفت قاعدة العديد الامريكية في قطر ردا على القصف الامريكي لمنشآتها النووية.
– من الملاحظ ان خطاب نتنياهو كان مهيمنًا على الساحة السياسية حكومةً ومعارضةً وعلى الراي العام والاعلام. وصف حربه على ايران بـ”الانتصار الاكبر في تاريخ اسرائيل على من سعوا لابادتنا”، كما اضفى عليه طابعا ربانيا مكثرا من اقتباس النصوص التوراتية. الا ان اسرائيل التي احتفت فعليا بوقع خطاب الانتصار، استفاقت بعد رفع حالة الطواريء على تلمس حجم الاضرار الهائلة التي احدثتها الصواريخ الايرانية في المواقع الاستراتيجية والسكانية والتي لم يتح حظر النشر عنها خلال الحرب للجمهور الاسرائيلي تقدير حجمها.
– استفاقت اسرائيل الرسمية يوم 25/6 على وقع مفاجأة غزة ومقتل سبعة جنود. فقد عادت غزة لتتصدر الحدث بعد تغييبها عن الانظار لاثني عشر يوما من الحرب على ايران.
– في مقابلته المتلفزة صرح نتنياهو: “فعلنا في ايران ما فعلته حماس بنا في 7 اكتوبر 2023”. في معظم تصريحاته الكثيرة اراد نتنياهو أدماج رسائله الانتخابية بتعظيم الانتصار على ايران وصناعة المستحيل مشيدا بجرأته وحسمه لقرار الانتصار التاريخي، كما سعى الى حصر جدول اعمال الراي العام والانتخابات القادمة التي بدأت تهبّ رياحها، في هذا الانتصار؛ والابتعاد عن الحرب على غزة والاسرى والمحتجزين واخفاق 7 اكتوبر 2023 الذي يجمع عليه المحللون بأنه الاكبر في تاريخ اسرائيل.
– اعتبرت اسرائيل الرسمية بأنها انتصرت انتصارا ساحقا على ايران لكن “لم تنته المهمة” وقد تدار الحرب بأدوات أخرى. في تلميح الى نموذجين؛ اللبناني الذي تفرضه اسرائيل بعد وقف اطلاق النار مع حزب الله، اي ان تقوم بعمليات حربية ضد كل ما تعتبره انتهاكا من قبل ايران لوقف اطلاق النار مستهدفة منشأتها النووية او ما تبقى منها وكذلك الصاروخية؛ والثاني هو ما درجت تقوم به من تعزيز عملياتها الخاصة الاستخباراتية والعملياتية بما فيه استهداف العلماء الايرانيين بعد فرض ممر جوي حربي ثابت للسيطرة على الاجواء الايرانية. كما اشارت تصريحات الناطق العسكري بأن الجيش في حربه على ايران قد وفّر الاف الاهداف الجدية التي يضيفها الى بنك الاهداف لاحقا.
– تُجمع التقديرات المحايدة على ان المنتصر الاكبر هو ترامب، والذي رسمت ادارته حدودا جديدة لهيمنتها اقليميا ودوليا دونما التورط في حرب شاملة مع ايران؛ كان من الممكن ان ترتد على سياساته وحصريا الاقتصادية والدولية. سيطر ترامب فعليا على ادارة دفة الامور في الحرب وصولا الى الضربة الامريكية للمشروع النووي الايراني ومن ثم الاعلان عن وقف الحرب.
– لم يقبل ترامب حتى التسمية الاسرائيلية للحرب (الاسد الصاعد) بل اطلق عليها حرب الايام الاثني عشر؛ وهو ما يؤشر إلى ان ترامب حدد لاسرائيل دورا وظيفيا في خدمة السياسات الامريكية وليس العكس، معتمدا على نهج التيار الانكفائي بين قاعدته الانتخابية القائل بان امريكا لا تقوم بحروب غيرها بما فيه اسرائيل رغما عن التزام ادارته بأمن اسرائيل كما كل رئيس امريكي.
– فور اعلان وقف اطلاق النار باشر نتنياهو حملته الانتخابية بالاكثار من المقابلات الصحفية مع الاعلام العبري والتي تهرب منها طيلة 20 شهرا، ثم تجواله في السوق الشعبي وزيارتين لحائط البراق والاكثار من الاقتباسات التوراتية في مسعى لاستمالة جمهور اليمين العقائدي والمتدينين، وذلك لاحتمالية انتخابات سريعة تجري خلال ثلاثة اشهر الا انه لم يحسم امره بعد. الا ان أجواء الانتخابات للكنيست باتت تسيطر على الحالة الاسرائيلية.
– كما في كل حرب اقليمية راهنا، تضررت غزة من الحرب على ايران، كما وتضررت الضفة. تحت انشداد انظار العالم بما فيه العرب وحتى الفلسطينيين، فقد قتلت استراتيجية التجويع و”المساعدات الانسانية” نحو الالفين من الجوعى الغزيين، وعمق الاحتلال ضرباته للوجود الفلسطيني في القطاع.
– كما تشير حالة الجدل الداخلي ؛ فإن الخيارات المحتملة هي: اما اعلان نتنياهو تبكير موعد الانتخابات الى نوفمبر 2025 مستندا الى “هالة الانتصار على ايران” عساها تبقيه في الحكم لدورة جديدة؛ او اختيار المماطلة فيها وحتى السعي لتاجيلها.
التقدير بان الموقف الاكثر أثرا هو ما يرشح عن ادارة ترامب بوجوب انهاء الحرب على غزة وعقد صفقة. بعد أن فرض ترامب وقف الحرب بين اسرائيل وايران، صرح يوم 25/6 بأن الصفقة وانهاء الحرب في غزة هما مسألة قريبة واعرب عن تفاؤله. وفي حال كانت هذه التصريحات جديّة وتتبعها ارادة امريكية حقيقية فلن يكون امام نتنياهو الا الانصياع لها، ولن يستطيع سموتريتش ولا بن غفير الوقوف في طريقها.
– الامر الجدير بالانتباه، تصريحات التفافية على هذا الخيار صدرت عن وزير الامن كاتس ومفادها ، ان اسرائيل سوف تحتفظ بكل الاحوال بالمنطقة العازلة على طول القطاع وكذلك بمحور فيلادلفي (صلاح الدين). بالاضافة الى نزع سلاح حماس وخروجها من القطاع وتقويض سلطاتها المدنية والعسكرية، ومنع السلطة الفلسطينية من ادارة القطاع.
– وفقا لتصريحات المبعوث الامريكي فلسطيني الاصل بشارة بحبح فإن مقومات انجاز الصفقة كبيرة وقابلة للتحقيق، خاصة وأن ادارة ترامب لن تتيح غير ذلك. ويبدو انه لن يكون من خيار لدى حماس سوى قبول الصيغة الحالية، مما قد يجبر حكومة نتنياهو على قبولها لانها تقترب من شروطها. الا ان هذا الاحتمال غير مؤكد اسرائيليا حتى اللحظة.
في الخلاصة:
** الصفقة نحو انهاء الحرب على غزة هي احتمال وارد في حال فرضت ذلك ادارة ترامب على نتنياهو وحكومته، نظرا لاولويات الولايات المتحدة في المنطقة ودوليا.
** التفاعلات الاسرائيلية الداخلية ورغم الشعور العام بالانتصار التاريخي على ايران، لا توحي باستغلال الفرصة لانهاء الحرب على غزة. بل لا يزال الشد العكسي قائما بين توجه القبول بالصفقة وتوجّه تكثيف الحرب على الوجود السكاني في غزة تحت شعار القضاء على حماس.
** في حال وجد نتنياهو ان الصفقة ستحسّن من وضعيته الانتخابية فمن الوارد تماما ان يقبل بها، مقابل تعميق الاستيطان والضم في الضفة الغربية.
** اراد نتنياهو ان تقيه الحرب على ايران من ورطة غزة الا انها لا تزال تلاحقه ومن المستبعد ان ينجح في مَحوَرة الانتخابات في “الانتصار الاكبر في تاريخ اسرائيل” وان يستبعد الاخفاق الاكبر في تاريخ اسرائيل وفقا لكل التقديرات الاسرائيلية وهو السابع من اكتوبر 2023.