إيران وإسرائيل: الحرب التي لم تنتهِ بعد
مقال

منذ نجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ورغم الحصار والعزلة الدولية، استطاعت الجمهورية الإسلامية تطوير نظام سياسي مركّب، وبناء صناعة عسكرية حديثة، ركّزت الأنظار على مشروعها النووي، لكن تبيّن لاحقًا أن صواريخها الباليستية ومسيراتها هي السلاح الأخطر في ترسانتها. وسعت إيران، انطلاقًا من هذا التفوق النسبي، إلى ترسيخ مكانتها كقوة إقليمية ضاربة.
في المقابل، سعت الولايات المتحدة والغرب، إلى جانب إسرائيل وعدد من الأنظمة العربية الخليجية ، إلى شيطنة النظام الإيراني باعتباره مشروعاً شيعياً توسعياً يجب تحجيمه، أو حتى إسقاطه. وقد تبلورت هذه الجبهة المناوئة لإيران عبر “اتفاق أبراهام”، ومحاولات بناء “تحالف الشرق الأوسط” الذي ضمّ إسرائيل ودول التطبيع العربية ، بقيادة أمريكية.
ومع تطورات ما بعد السابع من أكتوبر والحرب على غزة وضرب حزب الله ومحور المقاومة ومعه سقوط نظام بشار الاسد ، بدا أن هناك فرصة سانحة لتصفية الحساب مع طهران رأس الأخطبوط كما تصفها إسرائيل. حتى لو لم يكن إسقاط النظام ممكنًا، فإن منعها من امتلاك السلاح النووي وتحجيم قدراتها الصاروخية، بدا هدفًا قابلًا للتحقيق.
هنا كشف موقع "ويكيليكس" أن التخطيط السري لهذه الحرب بدأ منذ أشهر تحت رعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وكان اجتماع جمع ممثلين عن إسرائيل والولايات المتحدة مع مسؤولين من السعودية والإمارات وقطر. وقد تم التوافق على المعادلة التالية:"إسرائيل تنفّذ الهجوم، ودول الخليج تدفع التكاليف بالكامل". ما تفضحه هذه الوثائق لا يتعلق فقط باستهداف إيران، بل بكشف تآمر عربي واضح على من يقف مع فلسطين، من يدعم المقاومة، من قال لا لصفقة القرن، ومن رفض أن يُستعبد سياسياً واقتصادياً.
في هذا السياق جاءت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لدول الخليج ، حيث تم الاتفاق نهائياً على تمويل الحرب على إيران. ودفعت السعودية ، قطر والإمارات بما يقارب أربعة تريليون دولار. يذكر هنا إنه سبق أن مولت دول الخليج الحرب على العراق باعتراف وزير الخارجية القطري أنذاك حمد بن جاسم. هنا تولّت إسرائيل كما هو مخطط، بدعم أمريكي وخليجي لوجستي وعسكري، تنفيذ الهجوم على إيران، مستندة إلى شبكة عملاء كبيرة وخطيرة ومعلومات استخباراتية عالمية جمعها الموساد على مدى أكثر من 15 عاماً، وُضع بالارتكاز عليها خطط لإسقاط النظام أو ضرب قدراته النووية والصاروخية وإجباره على الاستسلام.
انطلقت الحرب بشكل خاطف، استهدفت في ساعاتها الأولى أكثر من 25 قائدًا عسكرياً من الصف الأول وقرابة 18 عالماً نووياً. كما نُفِّذت عمليات دقيقة داخل العمق الإيراني باستخدام الطائرات المسيّرة وعمليات تخريب داخلية طالت الدفعات الجوية، بالتزامن مع غارات جوية عنيفة. في البداية، بدا أن النظام الإيراني يترنح، وأن إسقاطه مسألة وقت لا أكثر.
لكن سرعان ما استعادت القيادة الإيرانية توازنها. فقد استطاعت خلال ساعات إعادة السيطرة على مفاصل الدولة وتوجيه ضربة صاروخية وبالمسيرات دقيقة ومدمرة استهدفت مدناً إسرائيلية كبرى، أبرزها تل أبيب ومدن المركز، حيفا وبئر السبع، وحوّلت أجزاء كبيرة من هذه المدن إلى دمار أشبه بما فعلت إسرائيل وتفعل في قطاع غزة.
الصواريخ الإيرانية والمسيّرات اخترقت الدفاعات الجوية الإسرائيلية والغربية والعربيه المساندة ، وأصابت أهدافاً استراتيجية بالغة الحساسية، ما كشف عن اختراق أمني كبير لإسرائيل مكّن إيران من الوصول إلى بنك أهداف حساس شملت مفاعل ديمونا النووي والذي كان ضمن نطاق الاستهداف لو أرادت طهران ذلك.
ومع تصاعد وتيرة القصف المتبادل، تحوّلت الحرب إلى شبه استنزاف مدمرة للطرفين. هذا في وقت تعذر على إسرائيل ضرب الترسانة النووية الإيرانية ، ما دفع الولايات المتحدة للتدخل علناً واستهداف المنشآت النووية الإيرانية، غير أن طهران كانت قد نقلت معظم اليورانيوم المخصّب إلى مواقع آمنة بحسب تقارير صحفية أمريكية واستخباراتية عالمية. بعد هذا التصعيد، فُرض وقف إطلاق النار بضغط أمريكي دون التوقيع على اتفاق. لكن إيران حرصت، قبل وقت قصير من سريان وقف إطلاق النار، على توجيه رسالة أخيرة "إن عدتم عدنا" عبر صاروخ دمّر مجمع بيوت في مدينة بئر السبع، مخلفًا عشرات الجرحى والقتلى ودمار هائل.
في هذا السياق خير ما وصف نهاية هذه الحرب وزير الدفاع والخارجية الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان بقوله:
“على الرغم من الإنجازات العسكرية الكبيرة، فإن النهاية مريرة وحزينة. لم تستسلم إيران، ولم توقّع أي اتفاق، ولم تتراجع عن مشروعها النووي أو عن تطوير الصواريخ الباليستية. وقف إطلاق النار دون اتفاق واضح سوف يجرنا إلى حرب أخرى خلال عامين أو ثلاثة، في ظروف أسوأ بكثير.”
خلاصة القول:
1. النظام الإيراني صمد.
رغم اختراق أمني خطير، استمر النظام وتمكن من إعادة السيطرة بسرعة، وهو الآن بصدد تطهير مؤسساته من العملاء، وهي مهمة شاقة وخطيرة.
2. البرنامج النووي مستمر.
صحيح أن أمريكا قصفت ثلاثة المنشآت الرئيسية، لكن اليورانيوم المخصب نُقل إلى أماكن آمنة تكفي لتصنيع عشر قنابل نووية، بحسب تقارير استخباراتية وكبرى الصحف والقنوات العالمية مثل الـ س.إن.إن والتايم. وأخطر أعلن رئيس مجلس الشورى الإيراني، محمد باقر قاليباف، تعليق جميع أنشطة التعاون مع وكالة الطاقة الذرية ومنع دخول المفتشين.
3. القدرات الصاروخية باقية.
رغم قصف البنى التحتية، بقيت مدن الصواريخ والمسيرات تحت الأرض عامرة. والأخطر ما كشفته هذه الحرب من قدرة إيران على اختراق منظومات الدفاع الجوي الأمريكية والإسرائيلية والوصول لأهدافها بدقة عالية وقدرة تدمير هائلة كانت سبباً في نزوح عشرات ألالاف من الإسرائيليين وزرع الهلع والخوف الشديد بين عامة الناس.
4. لا اتفاق ولا استسلام.
طلب ترامب ونتنياهو من النظام الإيراني الاستسلام وتوقيع اتفاقية تركيع بشأن السلاح النووي والصواريخ. وأعلنت إسرائيل استمرار الحرب حتى توقيع الاتفاق. إلا أن الحرب انتهت بدون اتفاق، مع الأمل في إجراء مفاوضات لإملاء مطالب إسرائيل والولايات المتحدة. وهنا يكمن مربط الفرس في هذه الحرب، فبما أن من المتوقع أن ترفض إيران أي اتفاق استسلام، فإن هذه الحرب قد تكون جولة في حروب قادمة أكثر دموية وخطورة على النظام الإقليمي والعالمي. وعليه، نتوقع أن لا تفرض القوة السلام كما صرح نتنياهو، ولن تكون إسرائيل أكثر أماناً كما تحدث ترامب بعد قصف المنشآت النووية الإيرانية.