شهدت القضية الفلسطينية، في مايو\ أيار 2021، نقطة فارقة في تاريخ النضال، إذا اشتعلت الأراضي الفلسطينية في القدس والضفة الغربية وأراضي الـ48 وقطاع غزة، وبإسناد من فلسطيني الشتات، واتسع الاشتباك مع "إسرائيل" على أكثر من نقطة تماس إسنادًا للمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح وقطاع غزة التي كانت تخوض معركة "سيف القدس" وتتعرض لعدوان إسرائيلي.
في أراضي الـ48، كانت المفارقة، إذ كسرت الهبة الشعبية "هبة الكرامة" في مختلف المدن الفلسطينية محاولات السلطات الإسرائيلية الحثيثة على "أسرلة" الفلسطيني وفصله عن قضيته الفلسطينية، ولم يواجه الفلسطيني هناك شرطة "إسرائيل" فحسب، بل كان في اشتباك مباشر مع المستوطنين، خاصة فيما تسمى "المدن المختلطة"، تزامن معها إجراءات إسرائيلية عنصرية حاولت التضييق على الوجود الفلسطيني في أراضي الـ48.
وبينما تأججت الأحداث عام 2014 في أعقاب حرق المستوطنين للطفل محمد أبو خضير وقتله، يستمر المستوطنون في أراضي الـ48 في اعتداءاتهم على الفلسطينيين، وخط العبارات العنصرية، وسط تجاهل الحكومة الإسرائيلية التي تماطل في محاكمة قاتل الشهيد موسى حسونة الذي ارتقى في مدينة اللد خلال "هبة الكرامة" الأخيرة.
ويؤكد الكاتب ساهر غزاوي على أن نظرة المؤسسة الإسرائيلية العنصرية تجاه العرب الفلسطينيين في أراضي الـ48 لم تتغير منذ العام 1948 وحتى يومنا هذا ولن تتغير، موضحًا، أن الحكومة الإسرائيلية تهمّشُ الفلسطينيين في أراضي الـ48 من حيث تفضيلات الحكومة وحقوقهم الفردية والحقوق الجماعية وتتعامل معهم بتمييز عنصري.
ويقرأ غزاوي العنصرية من الحكومة الإسرائيلية متجلية بشكل واضح في محطات كثيرة من هبّات الدفاع عن الأرض والمقدسات الفلسطينية والقضايا المصيرية، "كيف كانت يد الشرطة الإسرائيلية خفيفة على الزناد ضد كل ما هو عربي فلسطيني، ورأينا كيف لم تتورع بقتل الفلسطيني ابن أراضي الـ48 بدم بارد في يوم الأرض عام 1976 وفي هبة القدس والاقصى عام 2000 وفي هبة الكرامة التي اندلعت في أيار الأخير وفي غيرها من الأحداث التي تقع بين الحين والآخر."
المواجهة قادمة والشرطة الإسرائيلية تتجهز
وحول إمكانية اندلاع مواجهة، يقول غزاوي إن الإعلام العبري لا يكاد يخلو من تنبؤات وتقديرات إسرائيلية بتجدد اندلاع المواجهات في المدن والقرى الفلسطينية عام 48 ولا سيّما فيما يسمى “المدن المختلطة” على غرار تلك التي اندلعت خلال هبة الكرامة في شهر أيار المنصرم.
ويتابع مستدركًا: "حتى أن هذه التقديرات الإسرائيلية باتت تتوقع أن تكون الموجة القادمة أكثر عنفًا من سابقاتها وما هي إلا مسالة وقت، لذلك فإن الشرطة الإسرائيلية تتجهز لحملة تصعيدية كبيرة ضد الفلسطينيين في أراضي الـ48، لقمعهم بعد الهبة الفلسطينية الأخيرة خاصة في حال كانت مرتبطة باعتداءاتها في القدس المحتلة."
وكانت صحيفة هآرتس قد نشرت، أواخر شهر يونيو\حزيران الماضي، تقريرًا تحت عنوان "الشرطة الإسرائيلية تتجهز لحملة تصعيدية ضد الفلسطينيين بالداخل" إلى مصادقة وزارة المالية الإسرائيلية على إجراءات سريعة في ميزانية للشرطة بقيمة 13.5 مليون شيكل من أجل شراء أسلحة وقنابل وأعيرة جديدة، بعدما فرغت مخازنها منها إثر استخدامها الواسع خلال المواجهات في المدن الفلسطينية في أراضي الـ48.
ويلفِتُ الصحفي من أراضي الـ48 إلى دراسة إسرائيلية أجريت في الجامعة العبرية في القدس المحتلة تظهر بأن 60 بالمائة من الإسرائيليين اليهود يخافون من الفلسطينيين بسبب الأحداث التي جرت في المدن لفلسطينية في أراضي الـ48 خلال "هبة الكرامة" التي اندلعت في شهر أيار الماضي، كما وتظهر النتائج للدراسة أنه معظم اليهود (حوالي 73٪) يعتقدون أن معظم المواجهات كانت من الفلسطينيين.
الحكومة والإعلام والمستوطنون: عنصرية واضحة
من جانبه، يرى المختص في الشأن الإسرائيلي محمد هلسة أن "المجتمع الإسرائيلي" يميني عنصري بامتياز بأدواته المختلفة، كما أن إعلامه عنصري ومنحاز حتى في مفردات الصراع، وكثيرًا ما يتناول الإعلام العبري الفلسطيني بصورة المعتدي والمتخلف، في حين يصدر الإسرائيلي كشخصية متنورة ويفضله ويضع مكانته في مكانة أعلى من الإنسان الفلسطيني.
ويستطرد هلسة، أن الاحتلال ومنذ قدومه لهذه الأرض أتى على أنقاض الإنسان الفلسطيني محاولًا تغييبه، وهذه النظرة الفوقية الاستعلائية هي جزء أساسي من نظرته، ومنها ينطلق في تعامله مع العربي والفلسطيني، حتى وصل الأمر فتاوى الحاخامات التي تتيح قتل الفلسطيني، وإنقاذ الإسرائيلي على حساب الفلسطيني إذا ما أصيبا في نفس اللحظة.
ويوضح أن السلطات الإسرائيلية تؤجج النظرة الاستعلائية تجاه الفلسطينيين من خلال النظام السياسي وممارسات السلطة السياسية في داخل "إسرائيل" التي لا تبدو في ظاهر النصوص أن قوانينها استعلائية لكن عند التطبيق هي كذلك، فمثلاً قوانين البناء والتنظيم داخل مدينة القدس فهي تغض الطرف عن كثير من التجاوزات للإسرائيليين بينما تلاحق الفلسطيني وتضيق عليه.
ويتابع هلسة: "هم يتعاملون مع الفلسطيني على أنه في مرتبة أدنى من المرتبة الإسرائيلية، وهذا الإهمال الذي يعيشه الفلسطيني في أراضي الـ48 كان سببًا في هبتهم الأخيرة، ودافعًا إلى استمرار مقاومة "إسرائيل" وممانعتها والاعتراض على محاولات طمس هويته العربية وعلاقته بالفلسطيني في الضفة وغزة والقدس."
ويشير المختص في الشأن الإسرائيلي إلى محاولة الاحتلال إغراق فلسطيني أراضي الـ48 بالفوضى والجريمة والفتن وتغض الطرف عنها، بينما تستميت في ملاحقة واعتقال الفلسطيني حالما حاول المساس بـ“المجتمع الإسرائيلي“، ويضيف، أن "إسرائيل" تفرض محرمات على الفلسطينيين كرفع العلم وأداء العبادات في المسجد الأقصى، بينما توفر غطاء لعربدات المستوطنين في حارات الأقصى وأراضي الـ48.
ويختتم "إننا لا نستطيع أن نفصل الشخص الإسرائيلي كمستوطن عن المنظومة الرسمية الإسرائيلية، وهؤلاء المستوطنون يمارسون عنصريتهم ويحظون بغطاء قانوني، وهو ما يقود للاشتباك والمواجهة في الأقصى وساحات البلدة القديمة ومدن الداخل المحتل."
المصدر: شبكة قدس الإخبارية.
. . .